ولا مفحمين ولا بخلاء ويقال أتيت أرض فلان فأعمرتها أي وجدتها عامرة قال المخبل فتمنى حصين أن يسود خزاعة
فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
أي وجد ذليلاً مقهوراً ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يقال الهمزة لا تفيد إلا نقل الفعل من غير المتعدي إلى المتعدي فأما قوله كببته فأكب فلعل المراد كببته فأكب نفسه على وجهه فيكون قد ذكر الفعل مع حذف المفعولين وهذا ليس بعزيز وأما قوله قاتلناكم فما أجبناكم فالمراد ما أثر قتالنا في صيرورتكم جبناء وما أثر هجاؤنا لكم في صيرورتكم مفحمين وكذا القول في البواقي وهذا القول الذي قلناه أولى دفعاً للاشتراك إذا ثبت هذا فنقول قولنا أضله الله لا يمكن حمله إلا على وجهين أحدهما أنه صيره ضالاً والثاني أنه وحده ضالاً أما التقدير الأول وهو أنه صيره ضالاً فليس في اللفظ دلالة على أنه تعالى صيره ضالاً عما ذا وفيه وجهان أحدهما أنه صيره ضالاً عن الدين والثاني أنه صيره ضالاً عن الجنة أما الأول وهو أنه تعالى صيره ضالاً عن الدين فاعلم أن معنى الإضلال عن الدين في اللغة هو الدعاء إلى ترك الدين وتقبيحه في عينه وهذا هو الإضلال الذي أضافه الله تعالى إلى إبليس فقال إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ( القصص ١٥ ) وقال وَلاَضِلَّنَّهُمْ وَلامَنّيَنَّهُمْ ( النساء ١١٩ ) و قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا الَّذِينَ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ( فصلت ٢٩ ) وقال فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَِّنُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ( النمل ٢٤ العنبكوت ٣٨ ) ) وقال الشيطان إلى قوله وَمَا كَانَ لِى َ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ( إبراهيم ٢٢ ) وأيضاً أضاف الله تعالى هذا الإضلال إلى فرعون فقال وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى واعلم أن الأمة مجمعة على أن الإضلال بهذا المعنى لا يجوز على الله تعالى لأنه تعالى ما دعا إلى الكفر وما رغب فيه بل نهى عنه وزجر وتوعد بالعقاب عليه وإذا كان المعنى الأصلي للإضلال في اللغة ليس إلا هذا وهذا المعنى منفي بالإجماع ثبت انعقاد الإجماع على أنه لا يجوز إجراء هذا اللفظ على ظاهره وعند هذا افتقر أهل الجبر والقدر إلى التأويل أما أهل الجبر فقد حملوه على أنه تعالى خلق الضلال والكفر فيهم وصدهم عن الإيمان وحال بينهم وبينه وربما قالوا هذا هو حقيقة اللفظ في أصل اللغة لأن الإضلال عبارة عن جعل الشيء ضالاً كما أن الإخراج والإدخال عبارة عن جعل الشيء خارجاً وداخلاً وقالت المعتزلة هذا التأويل غير جائز لا بحسب الأوضاع اللغوية ولا بحسب الدلائل العقلية أما الأوضاع اللغوية فبيانه من وجوه أحدها أنه لا يصح من طريق اللغة أن يقال لمن منع غيره من سلوك الطريق كرهاً وجبراً أنه أضله بل يقال منعه منه وصرفه عنه وإنما يقولون إنه أضله عن الطريق إذا لبس عليه وأورد من الشبهة ما يلبس عليه الطريق فلا يهتدي له وثانيها أنه تعالى وصف إبليس وفرعون بكونهما مضللين مع أن فرعون وإبليس ما كان خالقين للضلال في قلوب المستجيبين لهما بالاتفاق وأما عند الجبرية فلأن العبد لا يقدر على الإيجاد وأما عند القدرية فلأن العبد لا يقدر على هذا النوع من الإيجاد فلما حصل اسم المضل حقيقة مع نفي الخالقية بالاتفاق علمنا أن اسم المضل غير موضوع في اللغة لخالق الضلال


الصفحة التالية
Icon