قد رماهم بدأبه وعابهم بما فيه وذمهم بما لم يفعلوه والله متعالٍ عن ذلك وإن كان الله تعالى مشاركاً لهم في ذلك فكيف يجوز أن يذمهم على فعل هو شريك فيه ومساوٍ لهم فيه وإذا فسد الوجهان صح أن لا يضاف خلق الضلال إلى الله تعالى وسابعها أنه تعالى ذكر أكثر الآيات التي فيها ذكر الضلال منسوباً إلى العصاة على ما قال وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ( البقرة ٢٦ ) وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ( إبراهيم ٢٧ ) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( المائدة ٦٧ ) كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ( غافر ٣٤ ) كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ( غافر ٢٨ ) فلو كان المراد بالضلال المضاف إليه تعالى هو ما هم فيه كان كذلك إثباتاً للثابت وهذا محال وثامنها أنه تعالى نفى إلهية الأشياء التي كانوا يعبدونها من حيث أنهم لا يهدون إلى الحق قال أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن مَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى ( يونس ٣٥ ) فنفي ربوبية تلك الأشياء من حيث أنها لا تهدي وأوجب ربوبية نفسه من حيث أنه سبحانه وتعالى يهدي فلو كان سبحانه وتعالى يضل عن الحق لكان قد ساواهم في الضلال وفيما لأجله نهى عن اتباعهم بل كان قد أربى عليهم لأن الأوثان كما أنها لا تهدي فهي لا تضل وهو سبحانه وتعالى مع أنه إله يهدي فهو يضل وتاسعها أنه تعالى يذكر هذا الضلال جزاء لهم على سوء صنيعهم وعقوبة عليه فلو كان المراد ما هم عليه من الضلال كان ذلك عقوبة وتهديداً بأمرهم له ملابسون وعليه مقبولون وبه ملتذون ومغتبطون ولو جاز ذلك لجازت العقوبة بالزنا على الزنا وبشرب الخمر على شرب الخمر وهذا لا يجوز وعاشرها أن قوله تعالى وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ( البقرة ٢٦ ٢٧ ) صريح في أنه تعالى إنما يفعل به هذا الإضلال بعد أن صار هو من الفاسقين الناقضين لعهد الله باختيار نفسه فدل ذلك على أن هذا الإضلال الذي يحصل بعد صيرورته فاسقاً وناقضاً للعهد مغاير لفسقه ونقضه وحادي عاشرها أنه تعالى فسر الإضلال المنسوب إليه في كتابه إما بكونه ابتلاءً وامتحاناً أو بكونه عقوبة ونكالاً فقال في الابتلاء وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلَئِكَة ً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَة ً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ أي امتحاناً إلى أن قال كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء ( المدثر ٣١ ) فبين أن إضلاله للعبد يكون على هذا الوجه من إنزاله آية متشابهة أو فعلاً متشابهاً لا يعرف حقيقة الغرض فيه والضال به هو الذي لا يقف على المقصود ولا يتفكر في وجه الحكمة فيه بل يتمسك بالشبهات في تقرير المجمل الباطل كما قال تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة ِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ( آل عمران ٧ ) وأما العقوبة والنكال فكقوله إِذِ الاْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ( غافر ٧١ ) إلى أن قال كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ فبين أن إضلاله لا يعدوا أحد هذين الوجهين وإذا كان الإضلال مفسراً بأحد هذين الوجهين وجب أن لا يكون مفسراً بغيرهما دفعاً للاشتراك فثبت أنه لا يجوز حمل الإضلال على خلق الكفر والضلال وإذا ثبت ذلك فنقول بينا أن الإضلال في أصل اللغة الدعاء إلى الباطل والترغيب فيه والسعي في إخفاء مقابحه وذلك لا يجوز على الله تعالى فوجب المصير إلى التأويل والتأويل الذي ذهبت الجبرية إليه قد أبطلناه فوجب المصير إلى وجوه أخر من التأويلات أحدها أن الرجل إذا ضل باختياره عند حصول شيء من غير أن يكون ذلك الشيء أثر في


الصفحة التالية
Icon