وأما التأويل الثامن فهو في هذه الآية يوجب تفكيك النظم لأنه إلى قوله يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً من كلام الكفار ثم قوله وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ كلام الله تعالى من غير فصل بينهما بل مع حرف العطف وهو الواو ثم هب أنه ههنا كذلك لكنه في سورة المدثر وهو قوله كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء لا شك أنه قول الله تعالى فهذا هو الكلام في الإضلال
أما الهدى فقد جاء على وجوه أحدها الدلالة والبيان قال تعالى أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا ( السجدة ٢٦ ) وقال فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ( البقرة ٣٨ ) وهذا إنما يصح لو كان الهدى عبارة عن البيان وقال إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى ( النجم ٢٣ ) وقال إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ( الإنسان ٣ ) أي سواء شكر أو كفر فالهداية قد جاءته في الحالتين وقال وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ( فصلت ١٧ ) وقال ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَى ْء وَهُدًى وَرَحْمَة ً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ ( الأنعام ١٥٤ ) وهذا لا يقال للمؤمن وقال تعالى حكاية عن خصوم داود عليه السلام وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصّراطِ ( ص ٢٢ ) أي أرشدنا وقال إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( محمد ٢٥ ) وقال أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَى ياحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ اللَّهِ ( الزمر ٥٦ ) إلى قوله أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ( الزمر ٥٧ ) إلى قوله بَلَى قَدْ جَاءتْكَ ءايَاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ الزمر ٥٩ ) أخبر أنه قد هدى الكافر مما جاءه من الآيات وقال أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُمْ بَيّنَة ٌ مّن رَّبّكُمْ وَهُدًى ( الأنعام ١٥٧ ) وهذه مخاطبة للكافرين وثانيها قالوا في قوله عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( الشورى ٥٢ ) أي لتدعو وقوله وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ( الرعد ٧ ) أي داع يدعوهم إلى ضلال أو هدى وثالثها التوفيق من الله بالألطاف المشروطة بالإيمان يؤتيها المؤمنين جزاء على إيمانهم ومعونة عليه وعلى الازدياد من طاعته فهذا ثواب لهم وبإزائه ضده للكافرين وهو أن يسلبهم ذلك فيكون مع أنه تعالى ما هداهم يكون قد أضلهم والدليل على هذا الوجه قوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى ( محمد ١٧ ) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى ( مريم ٧٦ ) وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( آل عمران ٨٦ ) يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا وَفِى الاْخِرَة ِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ( إبراهيم ٢٧ ) كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( آل عمران ٨٦ ) فأخبر أنه لا يهديهم وأنهم قد جاءهم البينات فهذا الهدى غير البيان لا محالة وقال تعالى وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ( التغابن ١١ ) أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ( المجادلة ٢٢ ) ورابعها الهدى إلى طريق الجنة قال تعالى ( المجادلة ٢٢ ) ورابعها الهدى إلى طريق الجنة قال تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَة ٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُّسْتَقِيماً ( النساء ١٧٥ ) وقال قَدْ جَاءكُمْ مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ


الصفحة التالية
Icon