كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما تكلم في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد إلى هذا الموضع فمن هذا الموضع إلى قوله خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ( البقرة ٤٠ ) في شرح النعم التي عمت جميع المكلفين وهي أربعة أولها نعمة الأحياء وهي المذكورة في هذه الآية واعلم أن قوله كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وإن كان بصورة الاستخبار فالمراد به التبكيت والتعنيف لأن عظم النعمة يقتضي عظم معصية المنعم يبين ذلك أن الوالد كلما عظمت نعمته على الولد بأن رباه وعلمه وخرجه وموله وعرضه للأمور الحسان كانت معصيته لأبيه أعظم فبين سبحانه وتعالى بذلك عظم ما أقدموا عليه من الكفر بأن ذكرهم نعمه العظيمة عليهم ليزجرهم بذلك عما أقدموا عليه من التمسك بالكفر ويبعثهم على اكتساب الإيمان فذكر تعالى من نعمه ما هو الأصل في النعم وهو الأحياء فهذا هو المقصود الكلي فإن قيل لم كان العطف الأول بالفاء والبواقي بثم قلنا لأن الأحياء الأول قد يعقب الموت بغير تراخ وأما الموت فقد تراخى عن الأحياء والأحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخياً ظاهراً وههنا مسائل
المسألة الأولى قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أن الكفر من قبل العباد من وجوه أحدها أنه تعالى لو كان هو الخالق للكفر فيهم لما جاز أن يقول كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ موبخاً لهم كما لا يجوز أن يقول كيف تسودون وتبيضون وتصحون وتسقمون لما كان ذلك أجمع من خلقه فيهم وثانيها إذا كان خلقهم أولاً للشقاء والنار وما أراد بخلقهم إلا الكفر وإرادة الوقوع في النار فكيف يصح أن يقول موبخاً لهم كيف تكفرون وثالثها أنه كيف يعقل من الحكيم أن يقول لهم كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ حال ما يخلق الكفر فيهم ويقول وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ حال ما منعهم عن الإيمان ويقول فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( الانشقاقق ٢٠ ) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَة ِ مُعْرِضِينَ ( المدثر ٤٩ ) وهو يخلق فيهم الأعراض ويقول إِنّى تُؤْفَكُونَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ويخلق فيهم الإفك والصرف ومثل هذا الكلام بأن يعد من السخرية أولى من أن يذكر في باب إلزام الحجة على العباد ورابعها أن الله تعالى إذا قال للعبيد كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ فهل ذكر هذا الكلام توجيهاً للحجة على العبد وطلباً للجواب منه أو ليس كذلك فإن لم يكن لطلب هذا المعنى لم يكن في ذكره فائدة فكان هذا الخطاب عبثاً وإن ذكره لتوجيه الحجة على العبد فللعبد أن يقول حصل في حقي أمور كثيرة موجبة للكفر فالأول أنك علمت بالكفر مني والعلم بالكفر يوجب الكفر والثاني أنك أردت الكفر مني وهذه الإرادة موجبة له والثالث أنك خلقت الكفر في وأنا لا أقدر على إزالة فعلك والرابع أنك خلقت في


الصفحة التالية
Icon