وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ ( الصافات ١٦٦ ) والله تعالى ما كذبهم في ذلك فثبت بها مواظبتهم على العبادة الثاني مبادرتهم إلى امتثال أمر الله تعظيماً له وهو قوله فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة ُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ( الحجر ٣٠ ) الثالث أنهم لا يفعلون شيئاً إلا بوحيه وأمره وهو قوله لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( الأنبياء ٢٧ ) ورابعها وصف قدرتهم وذلك من وجوه الأول أن حملة العرش وهم ثمانية يحملون العرش والكرسي ثم إن الكرسي الذي هو أصغر من العرش أعظم من جملة السموات السبع لقوله وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( البقرة ٢٥٥ ) فانظر إلى نهاية قدرتهم وقوتهم الثاني أن علو العرش شيء لا يحيط به الوهم ويدل عليه قوله تَعْرُجُ الْمَلَئِكَة ُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ٍ ( المعارج ٤ ) ثم إنهم لشدة قدرتهم ينزلون منه في لحظة واحدة الثالث قوله تعالى وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاْرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ( الزمر ٦٨ ) فصاحب الصور يبلغ في القوة إلى حيث أن بنفخة واحدة منه يصعق من في السموات والأرض وبالنفخة الثانية منه يعودون أحياء فاعرف منه عظم هذه القوة والرابع أن جبريل عليه السلام بلغ في قوته إلى أن قلع جبال آل لوط وبلادهم دفعة واحدة وخامسها وصف خوفهم ويدل عليه وجوه الأول أنهم مع كثرة عباداتهم وعدم إقدامهم على الزلات البتة يكونون خائفين وجلين حتى كأن عبادتهم معاصي قال تعالى يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ( النحل ٥٠ ) وقال وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ( الأنبياء ٢٨ ) الثاني قوله تعالى حَتَّى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِى ُّ الْكَبِيرُ ( سبأ ٢٣ ) روي في التفسير أن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السموات مثل صوت السلسلة على الصفوان ففزعوا فإذا انقضى الوحي قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير الثالث روى البيهقي في ( شعب الإيمان ) عن ابن عباس قال بينما رسول الله ( ﷺ ) بناحية ومعه جبريل إذ انشق أفق السماء فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله ( ﷺ ) فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبياً ملكاً وبين أن تكون نبياً عبداً قال عليه السلام فأشار إلى جبريل بيده أن تواضع فعرفت أنه لي ناصح فقلت عبداً نبياً فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل فقال هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافاً قدميه لا يرفع طرفه وبين الرب وبينه سبعون نوراً ما منها نور يدنو منه إلا احترق وبين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله له في شيء من السماء أو من الأرض ارتفع ذلك اللوح بقرب جبينه فينظر فيه فإن كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به وإن كان من عمل ملك الموت أمره به قلت يا جبريل على أي شيء أنت قال على الرياح والجنود قلت على أي شيء ميكائيل قال على النبات قلت على أي شيء ملك الموت قال على قبض الأنفس وما ظننت أنه هبط إلا لقيام الساعة وما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفاً من قيام الساعة واعلم أنه ليس بعد كلام الله وكلام رسوله كلام في وصف الملائكة أعلى وأجل من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال في بعض خطبه ثم فتق ما بين السموات العلى فملأهن أطواراً من ملائكة فمنهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون وصافون لايتزايلون ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان ومنهم أمناء على وحيه وألسنة إلى رسله ومختلفون بقضائه وأمره ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه ومنهم الثابتة في الأرضين


الصفحة التالية
Icon