الأول قوله تعالى لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( التحريم ٦ ) إلا أن هذه الآية مختصة بملائكة النار فإذا أردنا الدلالة العامة تمسكنا بقوله تعالى يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( النحل ٥٠ ) فقوله ويفعلون ما يؤمرون يتناول جميع فعل المأمورات وترك المنهيات لأن المنهي عن الشيء مأمور بتركه فإن قيل ما الدليل على أن قوله ويفعلون ما يؤمرون يفيد العموم قلنا لأنه لا شيء من المأمورات إلا ويصح الاستثناء منه والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل على ما بيناه في أصول الفقه والثاني قوله تعالى بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( الأنبياء ٢٦ ٢٧ ) فهذا صريح في براءتهم عن المعاصي وكونهم متوقفين في كل الأمور إلا بمقتضى الأمر والوحي والثالث أنه تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في البشر بالمعصية ولو كانوا من العصاة لما حسن منهم ذلك الطعن الرابع أنه تعالى حكى عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومن كان كذلك امتنع صدور المعصية منه واحتج المخالف بوجوه الأول أنه تعالى حكيى عنهم أنهم قالوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ وهذا يقتضي صدور الذنب عنهم ويدل على ذلك وجوه أحدها أن قولهم أتجعل فيها هذا اعتراض على الله تعالى وذلك من أعظم الذنوب وثانيها أنهم طعنوا في بني آدم بالفساد والقتل وذلك غيبة والغيبة من كبائر الذنوب وثالثها أنهم بعد أن طعنوا في بني آدم مدحوا أنفسهم بقولهم وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ وأنهم قالوا وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ ( الصافات ١٦٥ ١٦٦ ) وهذا للحصر فكأنهم نفوا كون غيرهم كذلك وهذا يشبه العجب والغيبة وهو من الذنوب المهلكة قال عليه السلام ( ثلاث مهلكات وذكر فيها إعجاب المرء بنفسه ) وقال تعالى فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ ( النجم ٣٢ ) ورابعها أن قولهم لا علم لنا إلا ما علمتنا يشبه الاعتذار فلولا تقدم الذنب وإلا لما اشتغلوا بالعذر وخامسها أن قوله أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( البقرة ٣١ ) يدل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه أو لا وسادسها أن قوله أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ( البقرة ٣٣ ) يدل على أن الملائكة ما كانوا عالمين بذلك قبل هذه الواقعة وأنهم كانوا شاكين في كون الله تعالى عالماً بكل المعلومات وسابعها أن علمهم يفسدون ويسفكون الدماء إما أن يكون قد حصل بالوحي إليهم في ذلك أو قالوه استنباطاً والأول بعيد لأنه إذا أوحى الله تعالى ذلك إليهم لم يكن لإعادة ذلك الكلام فائدة فثبت أنهم قالوه عن الاستنباط والظن والقدح في الغير على سبيل الظن غير جائز لقوله تعالى وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( الإسراء ٣٦ ) وقال إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئًا ( يونس ٣٦ ) وثامنها روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الله سبحانه وتعالى قال للملائكة الذين كانوا جند إبليس في محاربة الجن إِنّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَة ً فقالت الملائكة مجيبين له سبحانه أَتَجْعَلُ


الصفحة التالية
Icon