وثالثها قرىء إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء برفعه الأول ونصب الثاني ومعنى هذه القراءة أنه تعالى لو جازت الخشية عليه لما خشي العلماء لأنهم هم الذين يميزون بين ما يجوز وبين ما لا يجوز وأما الجاهل الذي لا يميز بين هذين البابين فأي مبالاة به وأي التفات إليه ففي هذه القراءة نهاية النصب للعلماء والتعظيم الرابع قوله تعالى وَقُلْ رَبّى زِدْنِى عِلْماً ( طه ١١٤ ) وفيه أدل دليل على نفاسة العلم وعلو مرتبته وفرط محبة الله تعالى إياه حيث أمر نبيه بالازدياد منه خاصة دون غيره وقال قتادة لو اكتفى أحد من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام ولم يقل هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً ( الكهف ٦٦ ) الخامس كان لسليمان عليه السلام من ملك الدنيا ما كان حتى أنه قال رَبّ هَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاِحَدٍ مّن بَعْدِى ثم إنه لم يفتخر بالمملكة وافتخر بالعلم حيث قال وَقَالَ ياأَيُّهَا النَّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَى ْء ( النمل ١٦ ) فافتخر بكونه عالماً بمنطق الطير فإذا حسن من سليمان أن يفتخر بذلك العلم فلأن يحسن بالمؤمن أن يفتخر بمعرفة رب العالمين كان أحسن ولأنه قدم ذلك على قوله وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَى ْء وأيضاً فإنه تعالى لما ذكر كمال حالهم قدم العلم أولاً وقال وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ ( الأنبياء ٧٨ ) إلى قوله وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ( الأنبياء ٧٩ ) ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك ما يتعلق بأحوال الدنيا فدل على أن العلم أشرف السادس قال بعضهم الهدهد مع أنه في نهاية الضعف ومع أنه كان في موقف المعاتبة قال لسليمان أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ فلولا أن العلم أشرف الأشياء وإلا فمن أين للهدهد أن يتكلم في مجلس سليمان بمثل هذا الكلام ولذلك يرى الرجل الساقط إذا تعلم العلم صار نافذ القول عند السلاطين وما ذاك إلا ببركة العلم السابع قال عليه الصلاة والسلام ( تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة ) وفي التفضيل وجهان أحدها أن التفكر يوصلك إلى الله تعالى والعبادة توصلك إلى ثواب الله تعالى والذي يوصلك إلى الله خير مما يوصلك إلى غير الله والثاني أن التفكر عمل القلب والطاعة عمل الجوارح والقلب أشرف من الجوارح فكان عمل القلب أشرف من عمل الجوارح والذي يؤكد هذا الوجه قوله تعالى إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ ( طه ١٤ ) جعل الصلاة وسيلة إلى ذكر القلب والمقصود أشرف من الوسيلة فدل ذلك على أن العلم أشرف من غيره الثامن قال تعالى وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ( النساء ١١٣ ) فسمى العلم عظيماً وسمي الحكمة خيراً كثيراً فالحكمة هي العلم وقال أيضاً الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءانَ ( الرحمن ١ ) فجعل هذه النعمة مقدمة على جميع النعم فدل على أنه أفضل من غيره التاسع أن سائر كتب الله ناطقة بفضل العلم أما التوراة فقال تعالى لموسى عليه السلام ( عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة في قلب عبد إلا وأردت أن أغفر له فتعلمها ثم اعمل بها ثم ابذلها كي تنال بها كرامتي في الدنيا والآخرة ) وأما الزبور فقال سبحانه وتعالى ( يا داود قل لأحبار


الصفحة التالية
Icon