أو صاحب وجه صبيح فأما العرب فشرفت بجدك وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم وأما القرآن ففي بيوتكم نزل وأما الوجه الصبيح فإني سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين فقال الحسين ما حاجتك فكتبها على الأرض فقال الحسين سمعت أبي علياً يقول قيمة كل امرىء ما يحسنه وسمعت جدي يقول المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي وإن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي وإن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي وقد حمل إليّ صرة مختومة من العراق فقال سل ولا حول ولا قوة إلا بالله فقال أي الأعمال أفضل قال الأعرابي الإيمان بالله قال فما نجاة العبد من الهلكة قال الثقة بالله قال فما يزين المرء قال علم معه حلم قال فإن أخطأه ذلك قال فمال معه كرم قال فإن أخطأه ذلك قال ففقر معه صبر قال فإن أخطأه ذلك قال فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه فضحك الحسين ورمى بالصرة إليه
أما الشواهد العقلية في فضيلة العلم فنقول اعلم أن كون العلم صفة شرف وكمال وكون الجهل صفة نقصان أمر معلوم للعقلاء بالضرورة ولذلك لو قيل للرجل العالم يا جاهل فأنه يتأذى بذلك وإن كان يعلم كذب ذلك ولو قيل للرجل الجاهل يا عالم فإنه يفرح بذلك وإن كان يعلم أنه ليس كذلك وكل ذلك دليل على أن العلم شريف لذاته ومحبوب لذاته والجهل نقصان لذاته وأيضاً فالعلم أينما وجد كان صاحبه محترماً معظماً حتى أن الحيوان إذا رأى الإنسان احتشمه بعض الاحتشام وانزجر به بعض الانزجار وإن كان ذلك الحيوان أقوى بكثير من الإنسان وكذلك جماعة الرعاة إذا رأوا من جنسهم من كان أوفر عقلاً منهم وأغزر فضلاً فيما هم فيه وبصدده انقادوا له طوعاً فالعلماء إذا لم يعاندوا كانوا رؤساء بالطبع على من كان دونهم في العلم ولذلك فإن كثيراً ممن كانوا يعاندون النبي ( ﷺ ) فصدوه ليقتلوه فما كان إلا أن وقع بصرهم عليه فألقى الله في قلوبهم منه روعة وهيبة فهابوه وانقادوا له ( ﷺ ) ولهذا قال الشاعر فلو لم تكن فيه آيات مبينة
كانت بداهتة تنبيك عن خبر
وأيضاً فلا شك أن الإنسان أفضل من سائر الحيوانات وليست تلك الفضيلة لقوته وصولته فإن كثيراً من الحيوانات يساويه فيها أو يزيد عليه فأذن تلك الفضيلة ليست إلا لاختصاصه بالمزية النورانية واللطيفة الربانية التي لأجلها صار مستعداً لإدراك حقائق الأشياء والاطلاع عليها والاشتغال بعبادة الله على ما قال وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( ) وأيضاً الجاهل كأنه في ظلمة شديدة لا يرى شيئاً البتة والعالم كأنه يطير في أقطار الملكوت ويسبح في بحار المعقولات فيطالع الموجود والمعدوم والواجب والممكن والمحال ثم يعرف انقسام الممكن إلى الجوهر والعرض والجوهر إلى البسيط والمركب ويبالغ في تقسيم كل منها إلى أنواعها وأنواع أنواعها وأجزائها وأجزاء أجزائها والجزء الذي به يشارك غيره والجزء الذي به يمتاز عن غيره ويعرف أثر كل شيء ومؤثره ومعلوله وعلته ولازمه وملزومه وكليه وجزئيه وواحده وكثيره حتى يصير عقله كالنسخة التي أثبت فيها جميع المعلومات بتفاصيلها وأقسامها فأي سعادة فوق هذه الدرجة ثم إنه بعد صيرورته كذلك تصير النفوس الجاهلة عالمة فتصير تلك النفس كالشمس في عالم الأرواح وسبباً للحياة الأبدية لسائر النفوس فإنها كانت كاملة ثم صارت مكملة وتصير واسطة بين الله وبين عباده ولهذا قال تعالى يُنَزّلُ الْمَلَائِكَة َ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ( النحل ٢ ) والمفسرون فسروا هذا الروح بالعلم والقرآن وكما أن البدن بلا


الصفحة التالية
Icon