عليه بعد ذكر المعرفة يكون حشواً أما قوله العلم هو المعرفة ففيه وجوه من الخلل أحدها أن العلم هو نفس المعرفة فتعريفه بها تعريف للشيء بنفسه وهو محال وثانيها أن المعرفة عبارة عن حصول العلم بعد الالتباس ولهذا يقال ما كنت أعرف فلاناً والآن فقد عرفته وثالثها أن الله تعالى يوصف بأنه عالم ولا يوصف بأنه عارف لأن المعرفة تستدعي سبق الجهل وهو على الله محال وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني العلم تبيين المعلوم وربما قال إنه استبانة الحقائق وربما اقتصر على التبيين فقال العلم هو التبيين وهو أيضاً ضعيف أما قول العلم هو التبيين فليس فيه إلا تبديل لفظ بلفظ أخفى منه ولأن التبيين والاستبانة يشعران بظهور الشيء بعد الخفاء وذلك لا يطرد في علم الله وأما قوله تبيين المعلوم على ما هو به فيتوجه عليه الوجوه المذكورة على كلام القاضي قال الأستاذ أبو بكر بن فورك العلم ما يصح من المتصف به إحكام الفعل وإتقانه وهو ضعيف لأن العلم بوجوب الواجبات وامتناع الممتنعات لا يفيد الأحكام وقال القفال العلم إثبات المعلوم على ما هو به وربما قيل العلم تصور المعلوم على ما هو به والوجوه السالفة متوجهة على هذه العبارة وقال إمام الحرمين الطريق إلى تصور ماهية العلم وتميزها عن غيرها أن نقول إنا نجد من أنفسنا بالضرورة كوننا معتقدين في بعض الأشياء فنقول اعتقادنا في الشيء إما أن يكون جازماً أو لا يكون فإن كان جازماً فأما أن يكون مطابقاً أو غير مطابق فإن كان مطابقاً فأما أن يكون لموجب هو نفس طرفي الموضوع والمحمول وهو العلم البديهي أو لموجب حصل من تركيب تلك العلوم الضرورية وهو العلم النظري أولاً لموجب وهو اعتقاد المقلد وأما الجزم الذي لا يكون مطابقاً فهو الجهل والذي لا يكون جازماً فأما أن يكون الطرفان متساويين وهو الشك أو يكون أحدهما أرجح من الآخر فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم واعلم أن هذا التعريف مختل من وجوه أحدها أن هذا التعريف لا يتم إلا إذا ادعينا أن علمنا بماهية الاعتقاد علم بديهي وإذا جاز ذلك فلم لا ندعي أن العلم بماهية العلم بديهي وثانيها أن هذا تعريف العلم بانتفاء أضداده وليست معرفة هذه الأضداد أقوى من معرفة العلم حتى يجعل عدم النقيض معرفاً للنقيض فيرجع حاصل الأمر إلى تعريف الشيء بمثله أو بالأخفى وثالثها أن العلم قد يكون تصوراً وقد يكون تصديقاً والتصور لا يتطرق إليه الجزم ولا التردد ولا القوة ولا الضعف فإذا كان كذلك كانت العلوم التصورية خارجة عن هذا التعريف قالت المعتزلة العلم هو الاعتقاد المقتضى سكون النفس وربما قالوا العلم ما يقتضي سكون النفس قالوا ولفظ السكون وإن كان مجازاً ههنا إلا أن المقصود منه لما كان ظاهراً لم يكن ذكره قادحاً في المقصود واعلم أن الأصحاب قالوا الاعتقاد جنس مخالف للعلم فلا يجوز جعل العلم منه ولهم أن يقولوا لا شك أن بين العلم واعتقاد المقلد قدراً مشتركاً فنحن نعني بالاعتقاد ذلك القدر قال الأصحاب وهذا التعريف يخرج عنه أيضاً علم الله تعالى فإنه لا يجوز أن يقال فيه إنه يقتضي سكون النفس قالت الفلاسفة العلم صورة حاصلة في النفس مطابقة للمعلوم وفي هذا التعريف عيوب أحدها إطلاق لفظ الصورة على العلم لا شك أنه من المجازات فلا بدّ في ذلك من تلخيص الحقيقة والذي يقال إنه كما يحصل في المرآة صورة الوجه فكذلك تحصل صورة المعلوم في الذهن وهو ضعيف لأنا


الصفحة التالية
Icon