لا بدّ في الشرع من شاهدين فكذا لا بدّ في العقل من شاهدين وهما المقدمتان اللتان تنتجان المطلوب فاستعداد النفس لوجدان ذلك المتوسط هو الحدس السابع عشر الذكاء وهو شدة الحدس وكماله وبلوغه الغاية القصوى وذلك لأن الذكاء هو المضاء في الأمر وسرعة القطع بالحق وأصله من ذكت النار وذكت الريح وشاة مذكاة أي مدرك ذبحها بحدة السكين الثامن عشر الفطنة وهي عبارة عن التنبه لشيء قصد تعريضه ولذلك فإنه يستعمل في الأكثر في استنباط الأحاجي والرموز التاسع عشر الخاطر وهو حركة النفس نحو تحصيل الدليل وفي الحقيقة ذلك المعلوم هو الخاطر بالبال والحاضر في النفس ولذلك يقال هذا خطر ببالي إلا أن النفس لما كانت محلاً لذلك المعنى الخاطر جعلت خاطراً إطلاقاً لاسم الحال على المحل العشرون الوهم وهو الاعتقاد المرجوح وقد يقال إنه عبارة عن الحكم بأمور جزئية غير محسوسية لأشخاص جزئية جسمانية كحكم السخلة بصداقة الأم وعداوة المؤذي الحادي والعشرون الظن وهو الاعتقاد الراجح ولما كان قبول الاعتقاد للقوة والضعف غير مضبوط فكذا مراتب الظن غير مضبوطة فلهذا قيل أنه عبارة عن ترجيح أحد طرفي المعتقد في القلب على الآخر مع تجويز الطرف الآخر ثم إن الظن المتناهي في القوة قد يطلق عليه اسم العلم فلا جرم قد يطلق أيضاً على العلم اسم الظن كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبّهِمْ ( البقرة ٤٦ ) قالوا إنما أطلق لفظ الظن على العلم ههنا لوجهين أحدهما التنبيه على أن علم أكثر الناس في الدنيا بالإضافة إلى علمه في الآخرة كالظن في جنب العلم والثاني أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ( الحجرات ١٥ ) واعلم أن الظن إن كان عن أمارة قوية قبل ومدح وعليه مدار أكثر أحوال هذا العلم وإن كان عن أمارة ضعيفة ذم كقوله تعالى إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى عَنْ الْحَقّ شَيْئاً ( النجم ٢٨ ) وقوله إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ ( الحجرات ١٢ ) الثاني والعشرون الخيال وهو عبارة من الصورة الباقية عن المحسوس بعد غيبته ومنه الطيف الوارد من صورة المحبوب خيالاً والخيال قد يقال لتلك الصورة في المنام وفي اليقظة والطيف لا يقال إلا فيما كان في حال النوم الثالث والعشرون البديهة وهي المعرفة الحاصلة ابتداء في النفس لا بسبب الفكر كعلمك بأن الواحد نصف الاثنين الرابع والعشرون الأوليات وهي البديهيات بعينها والسبب في هذه التسمية أن الذهن يلحق محمول القضية بموضوعها أولاً لا بتوسط شيء آخر فأما الذي يكون بتوسط شيء آخر فذاك المتوسط هو المحمول أولاً الخامس والعشرون الروية وهي ما كان من المعرفة بعد فكر كثير وهي من روى السادس والعشرون الكياسة وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع ولهذا قال عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon