السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ والمراد من هذا الغيب أنه تعالى كان عالماً بأحوال آدم عليه السلام قبل أن يخلقه وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها وذلك يدل على بطلان مذهب هشام بن الحكم في أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وقوعها فإن قيل الإيمان هو العلم فقوله تعالى يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يدل على أن العبد يعلم الغيب فكيف قال ههنا إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ والأشعار بأن علم الغيب ليس إلا لي وأن كل من سواي فهم خالون عن علم الغيب وجوابه ما تقدم في قوله الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أما قوله وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ففيه وجوه أحدها ما روى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أن قوله وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ أراد به قولهم أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وقوله وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ أراد به ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وأن لا يسجد وثانيها إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ من الأمور الغائبة والأسرار الخفية التي يظن في الظاهر أنه لا مصلحة فيها ولكني لعلمي بالأسرار المغيبة أعلم أن المصلحة في خلقها وثالثها أنه تعالى لما خلق آدم رأت الملائكة خلقاً عجيباً فقالوا ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموا ويجوز أن يكون هذا القول سراً أسروه بينهم فأبداه بعضهم لبعض وأسروه عن غيرهم فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان ورابعها وهو قول الحكماء أن الأقسام خمسة لأن الشيء إما أن يكون خيراً محضاً أو شراً محضاً أو ممتزجاً وعلى تقدير الامتزاج فأما أن يعتدل الأمر أن أو يكون الخير غالباً أو يكون الشر غالباً أما الخير المحض فالحكمة تقتضي إيجاده وأما الذي يكون فيه الخير غالباً فالحكمة تقتضي إيجاده لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فالملائكة ذكروا الفساد والقتل وهو شر قليل بالنسبة إلى ما يحصل منهم من الخيرات فقوله إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ فأعرف أن خيرهم غالب على هذه الشرور فاقتضت الحكمة إيجادهم وتكوينهم
المسألة السادسة اعلم أن في هذه الآية خوفاً عظيماً وفرحاً عظيماً أما الخوف فلأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال الضمائر فيجب أن يجتهد المرء في تصفية باطنه وأن لا يكون بحيث يترك المعصية لاطلاع الخلائق عليها ولا يتركها عند اطلاع الخالق عليها والأخبار مؤكدة لذلك أحدها روى عدي بن حاتم أنه عليه الصلاة والسلام قال ( يؤتى بناس يوم القيامة فيؤمر بهم إلى الجنة حتى إذا دنوا منها ووجدوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون عنها بحسرة ما رجع أحد بمثلها ويقولون يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا فنودوا ذاك أردت لكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم بالمحبة مخبتين تراءون الناس بخلاف ما تضمرون عليه في قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني أجللتم الناس ولم تجلوني تركتم المعاصي للناس ولم تتركوها لأجلي كنت أهون الناظرين عليكم فاليوم أذيقكم أليم عذابي مع حرمتكم من النعيم ( وثانيها قال سليمان بن علي لحميد الطويل عظني فقال إن كنت إذا عصيت الله خالياً ظننت أنه يراك فلقد اجترأت على أمر عظيم وإن كنت ظننت أنه لا يراك فلقد كفرت وثالثها قال حاتم الأصم طهر نفسك في ثلاثة أحوال إذا كنت عاملاً بالجوارح فاذكر نظر الله إليك وإذا كنت قائلاً فاذكر سمع الله إليك وإذا كنت ساكتاً عاملاً بالضمير فاذكر علم الله بك إذ هو يقول


الصفحة التالية
Icon