الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار ولأن من المشهور الذي يدفع أن الملائكة روحانيون وقيل إنما سموا بذلك لأنهم خلقوا من الريح أو الروح
وخامسها أن الملائكة رسل لقوله تعالى جاعل الملائكة رسلا فاطر ١ ورسل الله معصومون لقوله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته الأنعام ١٢٤ فلما لم يكن ابليس كذلك وجب أن لا يكون من الملائكة واحتج القائلون بكونه من الملائكة بأمرين
الأول أن الله تعالى استثناه من الملائكة والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل أو لصح دخوله وذلك يوجب كونه من الملائكة لا يقال الاستثناء المنقطع مشهور في كلام العرب قال تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني الزخرف ٢٧ وقال تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأئيما إلا قيلا سلاما سلاما الواقعة ٢٥ وقال تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض النساء ٢٩ وقال تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ النساء ٩٢ وأيضا فلأنه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة فغلبوا عليه في قوله فسجدوا ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم لأنا نقول كل واحد من هذين الوجهين على خلاف الأصل فذلك إنما صار إليه عند الضرورة والدلائل التي ذكرتموها في نفي كونه من الملائكة ليس فيها إلا الاعتماد على العمومات فلو حعلناه من الملائكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من العمومات ولو قلنا إنه ليس من الملائكة لزمنا حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ومعلوم أن تخصيص العمومات أكثر في كتاب الله تعالى من حمل الاستثنناء على الاستثناء المنقطع فكان قولنا أولى أيضا فالاستثناء مشتق من الثني والصرف ومعنى الصرف إنما يتحقق حيث لولا الصرف لدخل والشيء لا يدخل في غير جنسه فيمتنع تحقق معنى الاستثناء فيه وأما قوله أنه جني واحد بين الملائكة فنقول إنما يجوز إجراء حكم الكثير على القليل إذا كان القليل ساقط العبرة غير ملتفت إليه إذا كان معظم الحديث لا يكون إلا عن ذلك الواحد لم يجز إجراء حكم غيره عليه
الحجة الثانية قالوا لو لم يكن ابليس من الملائكة لما كان قوله وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم متناولا له ولو يكن متناولا له لاستحال أن يكون تركه للسجود إباء واستكبار ومعصية ولما استحق الذم والعقاب وحيث حصلت هذه الأمور علمنا أن ذلك الخطاب يتناوله ولا يتناوله ذلك الخطاب إلا إذا كان من الملائكة لا يقال إنه وإن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ معهم وطالت مخالطته بهم والتصق بهم فلا جرم يتناوله ذلك الخطاب وأيضا فلم لا يجوز أن يقال إنه وإن لم يدخل في هذا الأمر ولكن الله تعالى أمره بالسجود بلفظ آخر ما حكاه في القرآن بدليل قوله وما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك الأعراف ١٢ لأنا نقول أما الأول فجوابه أن المخالطة لا توجب ما ذكرتموه ولهذا قلنا في أصول الفقه إن خطاب الذكور لا يتناول الإناث وبالعكس مع شدة المخالطة بين الصنفين وأيضا فشدة المخالطة بين الملائكة وبين ابليس لما لم تمنع اقتصار اللعن على ابليس فكيف تمنع اقتصار ذلك التكليف على الملائكة وأما الثاني فجوابه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فلما ذكر قوله أبى واستكبر عقيب قوله وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم أشعر هذا التعقيب بأن هذا الإباء إنما حصل بسبب مخالفة هذا الأمر لا بسبب مخالفة أمر آخر فهذا ما عندي في الجانبين والله أعلم بحقائق الأمور


الصفحة التالية
Icon