فبين تعالى أنه لا بد في صحة الإيمان بهذه الأشياء ثم بدأ بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بالكتب وربع بالرسل وكذا في قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم آل عمران ١٨ وقال إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب ٥٦ والتقديم في الذكر يدل على التقديم في الدرجة ويدل عليه أن تقديم الأدون على الأشرف في الذكر قبيح عرفا فوجب أن يكون قبيحا شرعا أما أنه قبيح عرفا فلأن الشاعر قال عميرة ودع إن تجهزت غاديا
كفى الشيب والإسلام للمء ناهيا
قال عمر بن الخطاب لو قدمت السلام لأجزتك ولأنهم لما كتبوا كتاب الصلح بين رسول الله ( ﷺ ) وبين المشركين وقع التنازع في تقديم الاسم وكذا في كتاب الصلح بين علي ومعاوية وهذا يدل على أن التقديم في الذكر يدل على مزيد الشرف وإذا ثبت أنه في العرف كذلك وجب أن يكون في الشرع كذلك لقوله عليه السلام ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) فثبت أن تقديم الملائكة على الرسل في الذكر يدل على تقديمهم في الفضل ولقائل أن يقول هذه الحجة ضعيفة لأن الاعتماد إن كان على الواو فالواو لا تفيد الترتيب وإن كان على التقديم في الذكر ينتقض بتقديم سورة تبت على سورة قل هو الله أحد الحجة السادسة عشرة قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى ّ فجعل صلوات الملائكة كالتشريف للنبي ( ﷺ ) وذلك يدل على كون الملائكة أشرف من النبي ( ﷺ ) ولقائل أن يقول هذا ينتقض بقوله النَّبِى ّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ فأمر المؤمنين بالصلاة على النبي ولم يلزم كون المؤمنين أفضل من النبي عليه السلام فكذا في الملائكة الحجة السابعة عشرة أن نتكلم في جبريل ومحمد ( ﷺ ) فنقول إن جبريل عليه السلام أفضل من محمد والدليل عليه قوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِى قُوَّة ٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ( التكوير ١٩ ٢٢ ) وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بست من صفات الكمال أحدها كونه رسولاً لله وثانيها كونه كريماً على الله تعالى وثالثها كونه ذا قوة عند الله وقوته عند الله لا تكون إلا قوته على الطاعات بحيث لا يقوى عليها غيره ورابعها كونه مكيناً عند الله وخامسها كونه مطاعاً في عالم السموات وسادسها كونه أميناً في كل الطاعات مبرءاً عن أنواع الخيانات ثم إنه سبحانه وتعالى بعد أن وصف جبريل عليه السلام بهذه الصفات العالية وصف محمداً ( ﷺ ) بقوله وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ولو كان محمد مساوياً لجبريل عليه السلام في صفات الفضل أو مقارناً له لكان وصف محمد بهذه الصفة بعد وصف جبريل بتلك الصفات نقصاً من منصب محمد ( ﷺ ) وتحقيراً لشأنه وإبطالاً لحقه وذلك غير جائز على الله فدلت هذه الآية على أنه ليس لمحمد ( ﷺ ) عند الله من المنزلة إلا مقدار أن يقال إنه ليس بمجنون وذلك يدل على أنه لا نسبة بين جبريل وبين محمد عليهما السلام في الفضل والدرجة فإن قيل لم لا يجوز أن يكون قوله إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ صفة لمحمد لا لجبريل عليهما السلام قلنا لأن قوله وَلَقَدْ رَءاهُ بِالاْفُقِ الْمُبِينِ يبطل ذلك ولقائل أن يقول إنا توافقنا جميعاً على أنه قد كان لمحمد ( ﷺ ) فضائل أخرى سوى كونه ليس بمجنون وأن الله تعالى ما ذكر شيئاً من تلك الفضائل في هذا الموضع فإذن


الصفحة التالية
Icon