واحدة الثاني أن الملائكة لا يعملون إلا بالنص لقوله تعالى لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ( البقرة ٣٢ ) وقال لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( الأنبياء ٢٧ ) والبشر لهم قوة الاستنباط والقياس قال تعالى فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِى أُوْلِى الاْبْصَارِ ( الحشر ٢ ) وقال معاذ اجتهدت برأيي فصوبه رسول الله ( ﷺ ) في ذلك ومعلوم أن العمل بالاستنباط أشق من العمل بالنص الثالث أن الشبهات للبشر أكثر مما للملائكة لأن من جملة الشبهات القوية كون الأفلاك والأنجم السيارة أسباباً لحوادث هذا العالم فالبشر احتاجوا إلى دفع هذه الشبهة والملائكة لا يحتاجون لأنهم ساكنون في عالم السموات فيشاهدون كيفية افتقارها إلى المدبر الصانع الرابع أن الشيطان لا سبيل له إلى وسوسة الملائكة وهو مسلط على البشر في الوسوسة وذلك تفاوت عظيم إذا ثبت أن طاعتهم أشق فوجب أن يكونوا أكثر ثواباً بالنص فقوله عليه الصلاة والسلام ( أفضل العبادات أحمزها ) أي أشقها وأما القياس فلأنا نعلم أن الشيخ الذي لم يبق له ميل إلى النساء إذا امتنع عن الزنا فليست فضيلته كفضيلة من يمتنع عنهن مع الميل الشديد والشوق العظيم فكذا ههنا وسابعها أن الله تعالى خلق الملائكة عقولاً بلا شهوة وخلق البهائم شهوات بلا عقل وخلق الآدمي وجمع فيه بين الأمرين فصار الآدمي بسبب العقل فوق البهيمة بدرجات لا حد لها فوجب أن يصير بسبب الشهوة دون الملائكة ثم وجدنا الآدمي إذا غلب هواه عقله حتى صار يعمل بهواه دون عقله فإنه يصير دون البهيمة على ما قال تعالى أُوْلَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ( الأعراف ١٧٩ ) ولذلك صار مصيرهم إلى النار دون البهائم فيجب أن يقال إذا غلب عقله هواه حتى صار لا يعمل بهوى نفسه شيئاً بل يعمل بهوى عقله أن يكون فوق الملائكة اعتباراً لأحد الطرفين بالآخر وثامنها أن الملائكة حفظة وبنو آدم محفوظون والمحفوظ أعز وأشرف من الحافظ فيجب أن يكون بنو آدم أكرم وأشرف على الله تعالى من الملائكة وتاسعها ما روى أن جبريل عليه السلام أخذ بركاب محمد ( ﷺ ) حتى أركبه على البراق ليلة المعراج وهذا يدل على أن محمداً ( ﷺ ) أفضل منه ولما وصل محمد عليه الصلاة والسلام إلى بعض المقامات تخلف عنه جبريل عليه السلام وقال ( لو دنوت أنملة لاحترقت ) وعاشرها قوله عليه الصلاة والسلام ( إن لي وزيرين في السماء وزيرين في الأرض أما اللذان في السماء فجبريل وميكائيل وأما اللذان في الأرض فأبو بكر وعمر ) فدل هذا الخبر على أن محمداً ( ﷺ ) كان كالملك وجبريل وميكائيل كانا كالوزيرين له والملك أفضل من الوزير فلزم أن يكون محمداً أفضل من الملك هذا تمام القول في دلائل من فضل البشر على الملك أجاب القائلون بتفضيل الملك عن الحجة الأولى فقالوا قد سبق بيان أن من الناس من قال المراد من السجود هو التواضع لا وضع الجبهة على الأرض ومنهم من سلم أنه عبارة عن وضع الجبهة على الأرض لكنه قال السجود لله وآدم قبلة السجود وعلى هذين القولين لا إشكال أما إذا سلمنا أن السجود كان لآدم عليه السلام فلم قلتم إن ذلك لا يجوز من الأشرف في حق الشريف وذلك لأن الحكمة قد تقتضي ذلك كثيراً من حب الأشرف وإظهار النهاية في الانقياد والطاعة فإن للسلطان أن يجلس أقل عبيده في الصدر وأن يأمر الأكابر بخدمته ويكون غرضه من ذلك إظهار كونهم مطيعين له في كل الأمور منقادين له في جميع الأحوال فلم لا يجوز أن يكون الأمر ههنا كذلك وأيضاً أليس


الصفحة التالية
Icon