وإضلالهم السابع ثم لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك فلم أمهلني ومعلوم أن العالم لو كان خالياً عن الشر لكان ذلك خيراً قال شارح الأناجيل فأوحى الله تعالى إليه من سرادقات الجلال والكبرياء يا إبليس إنك ما عرفتني ولو عرفتني لعلمت أنه لا عتراض على في شيء من أفعالي فإني أنا الله لا إله إلا أنا لا أسأل عما أفعل واعلم أنه لو اجتمع الأولون والآخرون من الخلائق وحكموا بتحسين العقل وتقبيحه لم يجدوا عن هذه الشبهات مخلصاً وكان الكل لازماً أما إذا أجبنا بذلك الجواب الذي ذكره الله تعالى زالت الشبهات واندفعت الاعتراضات وكيف لا وكما أنه سبحانه واجب الوجود في ذاته واجب الوجود في صفاته فهو مستغنٍ في فاعليته عن المؤثرات والمرجحات إذ لو افتقر لكان فقيراً لا غنياً فهو سبحانه مقطع الحاجات ومنتهى الرغبات ومن عنده نيل الطلبات وإذا كان كذلك لم تتطرق اللمية إلى أفعاله ولم يتوجه الاعتراض على خالقيته وما أحسن ما قال بعضهم جل جناب الجلال عن أن يوزن بميزان الاعتزال فهذا القائل أجرى قوله تعالى وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ على ظاهره وقال إنه كان كافراً منافقاً منذ كان الوجه الثاني في تقرير أنه كان كافراً أبداً قول أصحاب الموافاة وذلك لأن الإيمان يوجب استحقاق العقاب الدائم والجمع بين الثواب الدائم والعقاب الدائم محال فإذا صدر الإيمان من المكلف في وقت ثم صدر عنه والعياذ بالله بعد ذلك كفر فأما أن يبقى الاستحقاقان معاً وهو محال على ما بيناه أو يكون الطارىء مزيلاً للسابق وهو أيضاً محال لأن القول بالإحباط باطل فلم يبق إلا أن يقال إن هذا الفرض محال وشرط حصول الإيمان أن لا يصدر الكفر عنه في وقت قط فإذا كانت الخاتمة على الكفر علمنا أن الذي صدر عنه أولاً ما كان إيماناً إذا ثبت هذا فنقول لما كان ختم إبليس على الكفر علمنا أنه ما كان مؤمناً قط القول الثاني أن إبليس كان مؤمناً ثم كفر بعد ذلك وهؤلاء اختلفوا في تفسير قوله تعالى وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ فمنهم من قال معناه وكان من الكافرين في علم الله تعالى أي كان عالماً في الأزل بأنه سيكفر فصيغة كان متعلقة بالعلم لا بالمعلوم والوجه الثاني أنه لما كفر في وقت معين بعد أن كان مؤمناً قبل ذلك فبعد مضى كفره صدق عليه في ذلك الوقت أنه كان في ذلك الوقت من الكافرين ومتى صدق عليه ذلك وجب أن يصدق عليه أنه كان من الكافرين جزء من مفهوم قولنا كان من الكافرين في ذلك الوقت ومتى صدق المركب صدق المفرد لا محالة الوجه الثالث المراد من كان صار أي وصار من الكافرين وههنا أبحاث البحث الأول اختلفوا في أن قوله تعالى وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ هل يدل على أنه وجد قبله جمع من الكافرين حتى يصدق القول بأنه من الكافرين قال قوم إنه يدل عليه لأن كلمة من للتبعيض فالحكم عليه بأنه بعض الكافرين يقتضي وجود قوم آخرين من الكافرين حتى يكون هو بعضاً لهم والذي يؤكد ذلك ما روي عن أبي هريرة أنه قال ( إن الله تعالى خلق خلقاً من الملائكة ثم قال لهم إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فقالوا لا نفعل ذلك فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم وكان إبليس من أولئك الذين أبوا ) وقال آخرون هذه الآية لا تدل على ذلك ثم لهم في تفسير الآية وجهان أحدهما معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك وهو قول الأصم وذكر في مثاله قوله تعالى الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ ( التوبة ٦٧ ) فأضاف بعضهم إلى بعض بسبب الموافقة في الدين فكذا ههنا


الصفحة التالية
Icon