منقولاً إلى غير مسماه الأصلي لتوفرت الدواعي على معرفة ذلك المسمى ولاشتهر وبلغ إلى حد التواتر فلما لم يكن كذلك علمنا أنه بقي على أصل الوضع الثالث أجمعنا على أن الإيمان المعدي بحرف الباء مبقي على أصل اللغة فوجب أن يكون غير المعدي كذلك الرابع أن الله تعالى كلما ذكر الإيمان في القرآن أضافه إلى القلب قال مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ( البقرة ٤١ ) وقوله وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ( النحل ١٠٦ ) كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ ( المجادلة ٢٢ ) وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( الحجرات ١٤ ) الخامس أن الله تعالى أينما ذكر الإيمان قرن العمل الصالح به ولو كان العمل الصالح داخلاً في الإيمان لكان ذلك تكراراً السادس أنه تعالى كثيراً ذكر الإيمان وقرنه وبالمعاصي قال الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ( الأنعام ٨٢ ) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىء إِلَى أَمْرِ ( الحجرات ٩ ) واحتج ابن عباس على هذا بقوله تعالى الْمُتَّقُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ( البقرة ٧٨ ) من ثلاثة أوجه أحدهما أن القصاص إنما يجب على القاتل المتعمد ثم أنه خاطبه بقوله ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فدل على أنه مؤمن وثانيها قوله فَمَنْ عُفِى َ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَى ْء ( البقرة ١٧٨ ) وهذه الأخوة ليست إلا إخوة الإيمان لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ٌ ( الحجرات ١٠ ) وثالثها قوله ذالِكَ تَخْفِيفٌ مّن رَّبّكُمْ وَرَحْمَة ٌ ( البقرة ١٧٨ ) وهذا لا يليق إلا بالمؤمن ومما يدل على المطلوب قوله تعالى وَالَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ ( الأنفال ٧٢ ) هذا أبقى اسم الإيمان لمن لم يهاجر مع عظم الوعيد في ترك الهجرة في قوله تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة ُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ ( النحل ٢٨ ) وقوله مَالَكُمْ مّن وَلايَتِهِم مّن شَى ْء حَتَّى يُهَاجِرُواْ ( الأنفال ٧٢ ) ومع هذا جعلهم مؤمنين ويدل أيضاً عليه قوله تعالى الْحَكِيمُ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء ( الممتحنة ١ ) وقال تَشْكُرُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ ( الأنفال ٢٧ ) وقوله تعالى تَعْمَلُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَة ً نَّصُوحاً ( التحريم ٨ ) والأمر بالتوبة لمن لا ذنب له محال وقوله وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً ءايَة ً الْمُؤْمِنُونَ ( النور ٣١ ) لا يقال فهذا يقتضي أن يكون كل مؤمن مذنباً وليس كذلك قولنا هب أنه خص فيما عدا المذنب فبقي فيهم حجة
القيد الثاني أن الإيمان ليس عبارة عن التصديق اللساني والدليل عليه قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ( البقرة ٨ ) نفي كونهم مؤمنين ولو كان الإيمان بالله عبارة عن التصديق اللساني لما صح هذا النفي
القيد الثالث أن الإيمان ليس عبارة عن مطلق التصديق لأن من صدق بالجبت والطاغوت لا يسمى مؤمناً
القيد الرابع ليس من شرط الإيمان التصديق بجميع صفات الله عزّ وجلّ لأن الرسول عليه السلام كان يحكم بإيمان من لم يخطر بباله كونه تعالى عالماً لذاته أو بالعلم ولو كان هذا القيد وأمثاله شرطاً معتبراً في تحقيق الإيمان لما جاز أن يحكم الرسول بإيمانه قبل أن يجربه في أنه هل يعرف ذلك أم لا فهذا هو بيان القول في تحقيق الإيمان فإن قال قائل ها هنا صورتان الصورة الأولى من عرف الله تعالى بالدليل


الصفحة التالية
Icon