الوجهين جميعاً فإن قيل أفتقولون العبد يعلم الغيب أم لا قلنا قد بينا أن الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل وإلى ما لا دليل عليه أما الذي لا دليل عليه فهو سبحانه وتعالى العالم به لا غيره وأما الذي عليه دليل فلا يمتنع أن تقول نعلم من الغيب ما لنا عليه دليل ويفيد الكلام فلا يلتبس وعلى هذا الوجه قال العلماء الاستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلة وعن الثالث لا نسلم أن لفظ الغيبة لا يستعمل إلا فيما يجوز عليه الحضور والدليل على ذلك أن المتكلمين يقولون هذا من باب إلحاق الغائب بالشاهد ويريدون بالغائب ذات الله تعالى وصفاته والله أعلم
المسألة الخامسة قال بعض الشيعة المراد بالغيب المهدي المنتظر الذي وعد الله تعالى به في القرآن والخبر أما القرآن فقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( النو ٥٥ ) وأما الخبر فقوله عليه السلام ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ) واعلم أن تخصيص المطلق من غير الدليل باطل
المسألة السادسة ذكروا في تفسير إقامة الصلاة وجوهاً أحدها أن إقامتها عبارة عن تعديل أركانها وحفظها من أن يقع خلل في فرائضها وسننها وآدابها من أقام العود إذا قومه وثانيها أنها عبارة عن المداومة عليها كما قال تعالى وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ وقال الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ( المعارج ٣٤ ) من قامت السوق إذا نفقت وأقامتها نفاقها لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي نتوجه إليه الرغبات وإذا أضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه وثالثها أنها عبارة عن التجرد لأدائها وأن لا يكون في مؤديها فتور من قولهم قام بالأمر وقامت الحرب على ساقها وفي ضده قعد عن الأمر وتقاعد عنه إذا تقاعس وتثبط ورابعها إقامتها عبارة عن أدائها وإنما عبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنها بالقنوت وبالركوع وبالسجود وقالوا سبح إذا صلى لوجود التسبيح فيها قال تعالى فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ ( الصافات ١٤٣ ) وإعلم أن الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه من الثناء العظيم وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل في أركانها وشرائطها ولذلك فإن القيم بأرزاق الجند إنما يوصف بكونه قيماً إذا أعطي الحقوق من دون بخس ونقص ولهذا يوصف الله تعالى بأنه قائم وقيوم لأنه يجب دوام وجوده ولأنه يديم إدرار الرزق على عباده
المسألة السابعة ذكروا في لفظ الصلاة في أصل اللغة وجوهاً أحدها أنها الدعاء قال الشاعر فوقابلها الريح في دنها
وصلى على دنها وارتشم
وثانيها قال الخارزنجي اشتقاقها من الصلى وهي النار من قولهم صليت العصا إذا قومتها بالصلى فالمصلي كأنه يسعى في تعديل باطنه وظاهره مثل من يحاول تقويم الخشبة بعرضها على النار وثالثها أن الصلاة عبارة عن الملازمة من قوله تعالى تَصْلَى نَاراً حَامِيَة ً ( لغشية ٤ ) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ( المسد ٣ ) وسمي الفرس الثاني من أفراس المسابقة مصلياً ورابعها قال صاحب الكشاف الصلاة فعلة من ( صلى ) كالزكاة من ( زكى ) وكتبتها بالواو على لفظ المفخم وحقيقة صلى حرك الصلوين


الصفحة التالية
Icon