تعالى وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقاً لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام وذلك باطل بالاتفاق وثانيها لو كان الحرام رزقاً لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله تعالى وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ( البقرة ٢٥٤ ) وأجمع المسلون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق مما أخذه بل يجب عليه رده فدل على أن الحرم لا يكون رزقاً وثالثها قوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ اللَّهِ أَذِنَ لَكُمْ ( يونس ٥٩ ) فبين أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله فثبت أن الحرام لا يكون رزقاً وأما السنة فما رواه أبو الحسين في كتاب الغرر بإسناده عن صفوان بن أمية قال كنا عند رسول الله ( ﷺ ) إذ جاءه عمرو بن قرة فقال له يا رسول الله إن الله كتب على الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأئذن لي في الغناء من غير فاحشة فقال عليه السلام ( لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله رزقاً طيباً فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله أما إنك لو قلت بعد هذه المقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً ) وأما المعنى فإن الله تعالى منع المكلف من الانتفاع بالحرام وأمر غيره بمنعه منه والانتفاع به من منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال أنه رزقه إياه ألا ترى أنه لا يقال أن السلطن قد رزق جنده مالاً قد منعهم من أخذه وإنما يقال إنه رزقهم ما مكنهم من أخذه ولا يمنعهم منه ولا أمر بمنعهم منه أجاب أصحابنا عن التمسك بالآيات بأنه وإن كان لكل من الله لكنه كما يقال يا خالق المحدثات والعرش والكرسي ولا يقال يا خالق الكلاب والخنازير وقال عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ( الإنسان ٦ ) فخص اسم العباد بالمتقين وإن كان الكفار أيضاً من العباد وكذلك ها هنا خص اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف وإن كان الحرام رزقاً أيضاً وأجابوا عن التمسك بالخبر بأنه حجة لنا لأن قوله عليه السلام ( فاخترت ما حرم االله عليك من رزقه ) صريح في أن الرزق قد يكون حراماً وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة محض للغة وهو أن الحرام هل يسمى رزقاً أم لا ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ والله أعلم
المسألة التاسعة أصل الإنفاق إخراج المال من اليد ومنه نفق المبيع نفاقاً إذا كثر المشترون له ونفقت الدابة إذا ماتت أي خرج روحها ونافقاء الفأرة لأنها تخرج منها ومنه النفق في قوله تعالى أَن تَبْتَغِى َ نَفَقاً فِى الاْرْضِ ( الأنعام ٣٥ )
المسألة العاشرة في قوله وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فوائد أحدها أدخل من التبعيضية صيانة لهم وكفى عن الإسراف والتبذير المنهي عنه وثانيها قدم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم كأنه قال ويخصون بعض المال بالتصدق به وثالثها يدخل في الإنفاق المذكور في الآية الإنفاق الواجب والإنفاق المندوب والإنفاق الواجب أقسام أحدها الزكاة وهي قوله في آية الكنز وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( التوبة ٣٤ ) وثانيها الإنفاق على النفس وعلى من تجب عليه نفقته وثالثها الإنفاق في الجهاد وأما الإنفاق المندوب فهو أيضاً إنفاق لقوله وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وأراد به الصدقة لقوله بعده فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ ( المنافقون ١٠ ) فكل هذه الإنفاقات داخلة تحت الآية لأن كل ذلك سبب لاستحقاق المدح


الصفحة التالية
Icon