إنه لا نزاع في أنه ليس المراد منها هذا الظاهر لأن كثيراً من الكفار أسلموا فعلمنا أن الله تعالى قد يتكلم بالعام ويكون مراده الخاص إما لأجل أن القرينة الدالة على أن المراد من ذلك العموم ذلك الخصوص كانت ظاهرة في زمن الرسول ( ﷺ ) فحسن ذلك لعدم التلبيس وظهور المقصود ومثاله ما إذا كان للإنسان في البلد جمع مخصوص من الأعداء فإذا قال ( إن الناس يؤذونني ) فهم كل أحد أن مراده من الناس ذلك الجمع على التعيين وإما لأجل أن التكلم بالعام لإرادة الخاص جائز وإن لم يكن البيان مقروناً به عند من يجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب وإذا ثبت ذلك ظهر أنه لا يمكن التمسك بشيء من صيغ العموم على القطع بالاستغراق لاحتمال أن المراد منها هو الخاص وكانت القرينة الدالة على ذلك ظاهرة في زمن الرسول ( ﷺ ) فلا جرم حسن ذلك وأقصى ما في الباب أن يقال لو وجدت هذه القرينة لعرفناها وحيث لم نعرفها علمنا أنها ما وجدت إلا أن هذا الكلام ضعيف لأن الاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود من أضعف الإمارات المفيدة للظن فضلاً عن القطع وإذا ثبت ذلك ظهر أن استدلال المعتزلة بعمومات الوعيد على القطع بالوعيد في نهاية الضعف والله أعلم ومن المعتزلة من احتال في دفع ذلك فقال إن قوله إن الذين كفروا لا يؤمنون كالنقيض لقوله إن الذين كفروا يؤمنون وقوله إن الذين كفروا يؤمنون لا يصدق إلا إذا آمن كل واحد منهم فإذا ثبت أنه في جانب الثبوت يقتضي العموم وجب أن لا يتوقف في جانب النفي على العموم بل يكفي في صدقه أن لا يصدر الإيمان عن واحد منهم لأنه متى لم يؤمن واحد من ذلك الجمع ثبت أن ذلك الجمع لم يصدر منهم الإيمان فثبت أن قوله إن الذين كفروا لا يؤمنون يكفي في إجرائه على ظاهره أن لا يؤمن واحد منهم فكيف إذا لم يؤمن الكثير منهم والجواب أن قوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ صيغة الجمع وقوله لاَ يُؤْمِنُونَ أيضاً صيغة جمع والجمع إذا قوبل بالجمع توزع الفرد على الفرد فمعناه أن كل واحد منهم لا يؤمن وحينئذٍ يعود الكلام المذكور
المسألة الرابعة اختلف أهل التفسير في المراد ههنا بقوله الَّذِينَ كَفَرُواْ فقال قائلون إنهم رؤساء اليهود المعاندون الذين وصفهم الله تعالى بأنهم يكتمون الحق وهم يعلمون وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وقال آخرون بل المراد قوم من المشركين كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم وهم الذين جحد وأبعد البينة وأنكروا بعد المعرفة ونظيره ما قال الله تعالى فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّة ٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ( فصلت ٤ ٥ ) وكان عليه السلام حريصاً على أن يؤمن قومه جميعاً حيث قال الله تعالى له فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَاذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ( الكهف ٦ ) وقال أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( يونس ٩٩ ) ثم إنه سبحانه وتعالى بين له عليه السلام أنهم لا يؤمنون ليقطع طمعه عنهم ولا يتأذى بسبب ذلك فإن اليأس إحدى الراحتين
أما قوله تعالى سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ففيه مسائل
المسألة الأولى قال صاحب الكشاف سَوَآء اسم بمنعى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر منه قوله تعالى تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَة ٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ( آل عمران ٦٤ ) فِى أَرْبَعَة ِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِينَ ( فصلت ١٠ ) بمعنى مستوية فكأنه قيل إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه
المسألة الثانية في ارتفاع سواء قولان أحدهما أن ارتفاعه على أنه خبر لأن و ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ


الصفحة التالية
Icon