وقوعها وجوز البداء على الله تعالى وقال أن قوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ إنما وقع على سبيل الاستدلال بالأمارة ويجوز له أن يظهر خلاف ما ذكره وإنما قال بهذا المذهب فراراً من تلك الإشكالات المتقدمة واعلم أن جملة الوجوه التي رويناها عن المعتزلة كلمات لا تعلق لها بالكشف عن وجه الجواب بل هي جارية مجرى التشنيعات فأما الجوابان اللذان عليهما اعتماد القوم ففي نهاية الضعف أما قول أبي علي وأبي هشام والقاضي خطأ قول من يقول إنه يدل وخطأ قول من يقول إنه لا يدل إن كان المراد منه الحكم بفساد القسمين كان ذلك حكماً بفساد النفي والإثبات وذلك لا يرتضيه العقل وإن كان معناه أن أحدهما حق لكن لا أعرف أن الحق هو أنه يدل أو لا يدل كفي في دفعه تقرير وجه الاستدلال فإنا لما بينا أن العلم بالعدم لا يحصل إلا مع العدم فلو حصل الوجود معه لكان قد ا جتمع العدم والوجود معاً ولا يتمكن العقل من تقرير كلام أوضح من هذا وأقل مقدمات فيه وأما قول الكعبي ففي نهاية الضعف لأنا وإن كنا لا ندري أن الله تعالى كان في الأزل عالماً بوجود الإيمان أو بعدمه لكنا نعلم أن العلم بأحد هذين الأمرين كان حاصلاً وهو الآن أيضاً حاضر فلو حصل مع العلم بأحد النقيضين ذلك النقيض الآخر لزم اجتماع النقيضين ولو قيل بأن ذلك العلم لا يبقى كان ذلك اعترافاً بانقلاب العلم جهلاً وهذا آخر الكلام في هذا البحث واعلم أن الكلام المعنوي هو الذي تقدم وبقي في هذا الباب أمور أخرى إقناعية ولا بدّ من ذكرها وهي خمسة أحدها روى الخطيب في كتاب تاريخ بغداد عن معاذ بن معاذ العنبري قال كنت جالساً عند عمرو بن عبيد فأتاه رجل فقال يا أبا عثمان سمعت والله اليوم بالكفر فقال لا تعجل بالكفر وما سمعت قال سمعت هاشماً الأوقص يقول إن تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ( المسد ١ ) وقوله ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ( المدثر ١١ ) إلى قوله سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ( المدثر ٢٦ ) إن هذا ليس في أم الكتاب والله تعالى يقول حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( الدخان ٢ ) إلى قوله وَإِنَّهُ فِى أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِى ٌّ حَكِيمٌ ( الزخرف ٤ ) فما الكفر إلا هذا يا أبا عثمان فسكت عمرو هنيهة ثم أقبل عليّ فقال والله لو كان القول كما يقول ما كان على أبي لهب من لوم ولا على الوليد من لوم فلما سمع الرجل ذلك قال أتقول يا أبا عثمان ذلك هذا والله الذي قال معاذ فدخل بالإسلام وخرج بالكفر وحكي أيضاً أنه دخل رجل على عمرو بن عبيد وقرأ عنده بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( البروج ٢٢ ) فقال له أخبرني عن تُبْتُ أكانت في اللوح المحفوظ فقال عمرو ليس هكذا كانت بل كانت تبت يدا من عمل بمثل ما عمل أبو لهب فقال له الرجل هكذا ينبغي أن تقرأ إذا قمنا إلى الصلاة فغضب عمرو وقال إن علم الله ليس بشيطان إن علم الله لا يضر ولا ينفع وهذه الحكاية تدل على شك عمرو بن عبيد في صحة القرآن وثانيها روى القاضي في كتاب طبقات المعتزلة عن ابن عمر أن رجلاً قام إليه فقال يا أبا عبد الرحمن أن أقواماً يزنون ويسرقون ويشربون الخمر ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ويقولون كان ذلك في علم الله فلم نجد منه بداً فغضب ثم قال سبحان الله العظيم قد كان في علمه أنهم يفعلونها فلم


الصفحة التالية
Icon