يقع الإنذار به مع أنه غير معلوم وقال في آخر الآية وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الالْبَابِ ( إبراهيم ٥٢ ) وإنما يكون كذلك لو كان معلوماً الحادي عشر قوله قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ( النساء ١٧٤ ) فكيف يكون برهان ونوراً مبيناً مع أنه غير معلوم الثاني عشر قوله فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاى َ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ً ضَنكاً ( طه ١٢٣ ١٢٤ ) فكيف يمكن اتباعه والأعراض عنه غير معلوم الثالث عشر إِنَّ هَاذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِى َ أَقْوَمُ ( الإسراء ٩ ) فكيف يكون هادياً مع أنه غير معلوم الرابع عشر قوله تعالى الرَّسُولُ بِمَا إِلَى قَوْلُهُ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ( البقرة ٢٨٥ ) والطاعة لا تمكن إلا بعد الفهم فوجب كون القرآن مفهوماً
الاحتجاج بالأخبار
وأما الأخبار فقوله عليه السلام ( إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنّتي ) فكيف يمكن التمسك به وهو غير معلوم وعن علي رضي الله عنه أنه عليه السلام قال عليكم بكتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن اتبع الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا نزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به فلج ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم
الاحتجاج بالمعقول
أما المعقول فمن وجوه أحدها أنه لو ورد شيء لا سبيل إلى العلم به لكانت المخاطبة به تجري مجرى مخاطبة العربي باللغة الزنجية ولما لم يجز ذاك فكذا هذا وثانيها أن المقصود من الكلام الإفهام فلو لم يكن مفهوماً لكانت المخاطبة به عبثاً وسفهاً وأنه لا يليق بالحكيم وثالثها أن التحدي وقع بالقرآن وما لا يكون معلوماً لا يجوز وقوع التحدي به فهذا مجموع كلام المتكلمين واحتج مخالفوهم بالآية والخبر والمعقول
احتجاج مخالفي المتكلمين بالآيات
أما الآية فهو أن المتشابه من القرآن وأنه غير معلوم لقوله تعالى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ والوقف ههنا واجب لوجوه أحدها أن قوله تعالى وَالرسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( آل عمران ٧ ) لو كان معطوفاً على قوله إِلاَّ اللَّهُ لبقي يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ منقطعاً عنه وأنه غير جائز لأنه وحده لا يفيد لا يقال أنه حال لأنا نقول حينئذٍ يرجع إلى كل ما تقدم فيلزم أن يكون الله تعالى قائلاً آمنا به كل من عند ربنا وهذا كفر وثانيها أن الراسخين في العلم لو كانوا عالمين بتأويله لما كان لتخصيصهم بالإيمان به وجه فإنهم لما عرفوه بالدلالة لم يكن الإيمان به إلا كالإيمان بالمحكم فلا يكون في الإيمان به مزيد مدح وثالثها أن تأويلها لو كان مما يجب أن يعلم لما كان طلب ذلك التأويل ذماً لكن قد جعله الله تعالى ذماً حيث قال فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة ِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ( آل عمران ٧ )
احتجاجهم بالخبر
وأما الخبر فقد روينا في أول هذه المسألة خبراً يدل على قولنا وروي أنه عليه السلام قال ( أن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره أهل الغرة بالله ) ولأن القول بأن هذه الفواتح غير معلومة مروي عن أكابر الصحابة فوجب أن يكون حقاً لقوله عليه السلام ) أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم )
احتجاجهم بالمعقول
وأما المعقول فهو أن الأفعال التي كلفنا بها قسمان منها ما نعرف وجه الحكمة فيها على الجملة


الصفحة التالية
Icon