فنقول لم لا يجوز أن يقال الخبر أيضاً كذلك فتارة يكون منشأ الحكمة من الأخبار هو الشيء المخبر عنه وذلك في الوعد وتارة يكون منشأ الحكمة هو نفس الخبر لا المخبر عنه كما في الوعيد فإن الأخبار على سبيل الوعيد مما يفيد الزجر عن المعاصي والإقدام على الطاعات فإذا حصل هذا المقصود جاز أن لا يوجد المخبر عنه كما في الوعيد وعند هذا قالوا إن وعد الله بالثواب حق لازم وأما توعده بالعقاب فغير لازم وإنما قصد به صلاح المكلفين مع رحمته الشاملة لهم كالوالد يهدد ولده بالقتل والسمل والقطع والضرب فإن قبل الولد أمره فقد انتفع وإن لم يفعل فما في قلب الوالد من الشفقه يرده عن قتله وعقوبته فإن قيل فعلى جميع التقادير يكون ذلك كذباً والكذب قبيح قلنا لا نسلم أن كل كذب قبيح بل القبيح هو الكذب الضار فأما الكذب النافع فلا ثم إن سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه كذب أليس أن جميع عمومات القرآن مخصوصة ولا يسمى ذلك كذباً أليس أن كل المتشابهات مصروفة عن ظواهرها ولا يسمى ذلك كذباً فكذا ههنا وثالثها أليس أن آيات الوعيد في حق العصاة مشروطة بعدم التوبة وإن لم يكن هذا الشرط مذكوراً في صريح النص فهي أيضاً عندنا مشروطة بعدم العفو وإن لم يكن هذا الشرط مذكوراً بصريح النص صريحاً أو نقول معناه أن العاصي يستحق هذه الأنواع من العقاب فيحمل الأخبار عن الوقوع على الأخبار عن استحقاق الوقوع فهذا جملة ما يقال في تقرير هذا المذهب وأما الذين أثبتوا وقوع العذاب فقالوا إنه نقل إلينا على سبيل التواتر من رسول الله ( ﷺ ) وقوع العذاب فإنكاره يكون تكذيباً للرسول وأما الشبه التي تمسكتم بها في نفي العقاب فهي مبنية على الحسن والقبح وذلك مما لا نقول به والله أعلم
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
اعلم أن المفسرين أجمعوا على أن ذلك في وصف المنافقين قالوا وصف الله الأصناف الثلاثة من المؤمنين والكافرين والمنافقين فبدأ بالمؤمنين المخلصين الذين صحت سرائرهم وسلمت ضمائرهم ثم أتبعهم بالكافرين الذين من صفتهم الإقامة على الجحود والعناد ثم وصف حال من يقول بلسانه إنه مؤمن وضميره يخالف ذلك وفيه مسائل
المسألة الأولى أعلم أن الكلام في حقيقة النفاق لا يتخلص إلا بتقسيم نذكره فنقول أحوال القلب أربعة وهي الاعتقاد المطابق المستفاد عن الدليل وهو العلم والاعتقاد المطابق المستفاد لا عن الدليل وهو اعتقاد المقلد والاعتقاد الغير المطابق وهو الجهل وخلو القلب عن كل ذلك فهذه أقسام أربعة وأما أحوال اللسان فثلاثة الإقرار والإنكار والسكوت فيحصل من تركيباتها اثنا عشر قسماً النوع الأول ما إذا حصل العرفان القلبي فههنا إما أن ينضم إليه الإقرار باللسان أو الإنكار باللسان أو السكوت القسم الأول ما إذا حصل العرفان بالقلب والإقرار باللسان فهذا الإقرار إن كان اختيارياً فصاحبه مؤمن حقاً بالإتفاق وإن كان اضطرارياً وهو ما إذا عرف بقلبه ولكنه يجد من نفسه أنه لولا الخوف لما أقر بل أنكر فهذا يجب أن يعد منافقاً لأنه بقلبه


الصفحة التالية
Icon