وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ المراد منه المنافقون والله أعلم
المسألة الثانية اختلفوا في أن كفر الكافر الأصلي أقبح أم كفر المنافق قال قوم كفر الكافر الأصلي أقبح لأنه جاهل بالقلب كاذب باللسان والمنافق جاهل بالقلب صادق باللسان وقال آخرون بل المنافق أيضاً كاذب باللسان فإنه يخبر عن كونه على ذلك الاعتقاد مع أنه ليس عليه ولذلك قال تعالى قَالَتِ الاْعْرَابُ ءامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( الحجرات ١٤ ) وقال وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( المنافقون ١ ) ثم إن المنافق اختص بمزيد أمور منكرة أحدها أنه قصد التلبيس والكافر الأصلي ما قصد ذلك وثانيها أن الكافر عى طبع الرجال والمنافق على طبع الخنوثة وثالثها أن الكافر ما رضي لنفسه بالكذب بل استنكف منه ولم يرض إلا بالصدق والمنافق رضي بذلك ورابعها أن المنافق ضم إلى كفره الاستهزاء بخلاف الكافر الأصلي ولأجل غلظ كفره قال تعالى إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ مِنَ النَّارِ ( النساء ١٤٥ ) وخامسها قال مجاهد إنه تعالى ابتدأ بذكر المؤمنين في أربع آيات ثم ثنى بذكر الكفار في آيتين ثم ثلث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية وذلك يدل على أن المنافق أعظم جرماً وهذا بعيد لأن كثرة الاقتصاص بخبرهم لا توجب كون جرمهم أعظم فإن عظم فلغير ذلك وهو ضمهم إلى الكفر وجوهاً من المعاصي كالمخادعة والاستهزاء وطلب الغوائل إلى غير ذلك ويمكن أن يجاب عنه بأن كثرة الاقتصاص بخبرهم تدل على أن الاهتمام بدفع شرهم أشد من الاهتمام بدفع شر الكفار وذلك يدل على أنهم أعظم جرماً من الكفار
المسألة الثالثة هذه الآية دالة على أمرين الأول أنها تدل على أن من لا يعرف الله تعالى وأقر به فإنه لا يكون مؤمناً لقوله وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ وقالت الكرامية إنه يكون مؤمناً الثاني أنها تدل على بطلان قول من زعم أن كل المكلفين عارفون بالله ومن لم يكن به عارفاً لا يكون مكلفاً أما الأول فلأن هؤلاء المنافقين لو كانوا عارفين بالله وقد أقروا به لكان يجب أن يكون إقرارهم بذلك إيماناً لأن من عرف الله تعالى وأقر به لا بدّ وأن يكون مؤمناً وأما الثاني فلأن غير العارف لو كان معذوراً لما ذم الله هؤلاء على عدم العرفان فبطل قول من قال من المتكلمين أن من لا يعرف هذه الأشياء يكون معذوراً
المسألة الرابعة ذكروا في اشتقاق لفظ الإنسان وجوهاً أحدها يروى عن ابن عباس أنه قال سمي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي وقال الشاعر سميت إنساناً لأنك ناسي
وقال أبو الفتح البستي فيا أكثر الناس إحساناً إلى الناس
وأكثر الناس إفضالاً على الناس
نسيت عهدك والنسيان مغتفر
فاغفر فأول ناس أول الناس
وثانيها سمي إنساناً لاستئناسه بمثله وثالثها قالوا الإنسان إنما سمي إنساناً لظهورهم وأنهم يؤنسون أي يبصرون من قوله مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ ( القصص ٢٩ ) كما سمي الجن لاجتنانهم واعلم أنه لا يجب في كل لفظ أن يكون مشتقاً من شيء آخر وإلا لزم التسلسل وعلى هذا لا حاجة إلى جعل لفظ الإنسان مشتقاً من شيء آخر
المسألة الخامسة قال ابن عباس أنها نزلت في منافقي أهل الكتاب منهم عبد الله بن أبي


الصفحة التالية
Icon