تعالى ذلك فقال فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا أي زادهم الله غماً على غمهم بما يزيد في إعلاء أمر النبي ( ﷺ ) وتعظيم شأنه الثاني أن مرضهم وكفرهم كان يزداد بسبب ازدياد التكاليف فهو كقوله تعالى في سورة التوبة فَزَادَهُمُ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ( التوبة ١٢٥ ) والسورة لم تفعل ذلك ولكنهم لما ازدادوا رجساً عند نزولها لما كفروا بها قيل ذلك وكقوله تعالى حكاية عن نوح إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً ( نوح ٥ ٦ ) والدعاء لم يفعل شيئاً من هذا ولكنهم ازدادوا فراراً عنده وقال وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّى ( التوبة ٤٩ ) والنبي عليه السلام إن لم يأذن له لم يفتنه ولكنه كان يفتتن عند خروجه فنسبت الفتنة إليه وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ( المادة ٦٤ ) وقال فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ( فاطر ٤٢ ) وقولك لمن وعظته فلم يتعظ وتمادى في فساده ما زادتك موعظتي إلا شراً ومازادتك إلا فساداً فكذا هؤلاء المنافقون لما كانوا كافرين ثم دعاهم الله إلى شرائع دينه فكفروا بتلك الشرائع وازدادوا بسبب ذلك كفراً لا جرم أضيفت زيادة كفرهم إلى الله الثالث المراد من قوله فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا المنع من زيادة الألطاف فيكون بسبب ذلك المنع خاذلاً لهم وهو كقوله قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( المنافقون ٤ ) الرابع أن العرب تصف فتور الطرف بالمرض فيقولون جارية مريضة الطرف قال جرير فإن العيون التي في طرفها مرض
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فكذا المرض ههنا إنما هو الفتور في النية وذلك لأنهم في أول الأمر كانت قلوبهم قوية على المحاربة والمنازعة وإظهار الخصومة ثم انكسرت شوكتهم فأخذوا في النفاق بسبب ذلك الخوف والإنكسار فقال تعالى فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا أي زادهم ذلك الانكسار والجبن والضعف ولقد حفق الله تعالى ذلك بقوله وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ ( الحشر ٢ ) الخامس أن يحمل المرض على ألم القلب وذلك أن الإنسان إذا صار مبتلى بالحسد والنفاق ومشاهدة المكروه فإذا دام به ذلك فربما صار ذلك سبباً لغير مزاج القلب وتألمه وحمل اللفظ على هذا الوجه حمل له على حقيقته فكان أولى من سائر الوجوه أما قوله وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال صاحب ( الكشاف ) ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به فهو نحو قوله تحية بينهم ضرب وجيع وهذا على طريقة قولهم جد جده والألم في الحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد أما قوله بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ففيه أبحاث أحدها أن الكذب هو الخبر عن شيء على خلاف ما هو به والجاحظ لا يسميه كذباً إلا إذا علم المخبر كون المخبر عنه مخالفاً للخبر وهذا الآية حجة عليه وثانيها أن قوله وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ صريح في أن كذبهم علة للعذاب الأليم وذلك يقتضي أن يكون كل كذب حراماً فأما ما روي أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات فالمراد التعريض ولكن لما كانت صورته صورة الكذب سمي به وثالثها في هذه الآية قراءتان إحداهما يَكْذِبُونَ والمراد بكذبهم قوله بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا والثانية ( يكذبون ) من كذبه الذي هو نقيض صدقه ومن كذب الذي هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل صدق


الصفحة التالية
Icon