وانتظارهم لخروج رسول الله ( ﷺ ) واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به فكان انتظارهم لمحمد ( ﷺ ) كإيقاد النار وكفرهم به بعد ظهوره كزوال ذلك النور
المسألة الثالثة فأما تشبيه الإيمان بالنور والكفر بالظلمة فهو في كتاب الله تعالى كثير والوجه فيه أن النور قد بلغ النهاية في كونه هادياً إلى المحجة وإلى طريق المنفعة وإزالة الحيرة وهذا حال الإيمان في باب الدين فشبه ما هو النهاية في إزالة الحيرة ووجدان المنفعة في باب الدين بما هو الغاية في باب الدنيا وكذلك القول في تشبيه الكفر بالظلمة لأن الضال عن الطريق المحتاج إلى سلوكه لا يرد عليه من أسباب الحرمان والتحير أعظم من الظلمة ولا شيء كذلك في باب الدين أعظم من الكفر فشبه تعالى أحدهما بالآخر فهذا هو الكلام فيما هو المقصود الكلي من هذه الآية بقيت ههنا أسئلة وأجوبة تتعلق بالتعلق بالتفاصيل السؤال الأول قوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً يقتضى تشبيه مثلهم بمثل المستوقد فما مثل المنافقين ومثل المستوقد حتى شبه أحدهما بالآخر والجواب استعير المثل للقصة أو للصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل قصتهم العجيبة كقصة الذي استوقد ناراً وكذا قوله مَّثَلُ الْجَنَّة ِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ( الرعد ٣٥ ) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الاْعْلَى ( النحل ٦٠ ) أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاة ِ ( الفتح ٢٩ ) أي وصفهم وشأنهم المتعجب منه ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا فلان مثله في الخير والشر فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن السؤال الثاني كيف مثلت الجماعة بالواحد والجواب من وجوه أحدها أنه يجوز في اللغة وضع ( الذي ) موضع ( الذين ) كقوله وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ ( التوبة ٦٩ ) وإنما جاز ذلك لأن ( الذي ) لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة مجملة وكثرة وقوعه في كلامهم ولكونه مستطالاً بصلته فهو حقيق بالتخفيف ولذلك أعلوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا فيه على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين وثانيها أن يكون المراد جنس المستوقدين أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد ناراً وثالثها وهو الأقوى أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد ومثله قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ حُمّلُواْ التَّوْرَاة َ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ ( الجمعة ٥ ) وقوله يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِى ّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ( محمد ٢٠ ) ورابعها المعنى ومثل كل واحد منهم كقوله يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ( غافر ٦٧ ) أي يخرج كل واحد منكم السؤال الثالث ما الوقود وما النار وما الإضاءة وما النور ما الظلمة الجواب أما وقود النار فهو سطوعها وارتفاع لهبها وأما النار فهو جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من ( نارينور ) إذا نفر لأن فيها حركة واضطراباً والنور مشتق منها وهو ضوؤها والمنار العلامة والمنارة هي الشيء الذي يؤذن عليه ويقال أيضاً للشيء الذي يوضع السراج عليه ومنه النورة لأنها تطهر البدن والإضاءة فرط الإنارة ومصداق ذلك قوله تعالى هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً ( يونس ٥ ) و ( أضاء ) يرد لازماً ومتعدياً تقول أضاء القمر الظلمة وأضاء القمر بمعنى استضاء قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon