يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما وههنا مسألة وهي أن المشهور أن ( لو ) تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ومنهم من أنكر ذلك وزعم أنها لا تفيد إلا الربط واحتج عليه بالآية والخبر أما الآية فقوله تعالى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ( الأنفال ٢٣ ) فلو أفادت كلمة لو انتفاء الشيء لا انتفاء غيره للزم التناقض لأن قوله وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ يقتضي أنه ما علم فيهم خيراً وما أسمعهم وقوله وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ يفيد أنه تعالى ما أسمعهم وأنهم ما تولوا ولكن عدم التولي خير فلزم أن يكون قد علم فيهم خيراً وما علم فيهم خيراً وأما الخبر فقوله عليه السلام ( نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه ) فعلى مقتضى قولهم يلزم أنه خاف الله وعصاه وذلك متناقض فقد علمنا أن كلمة ( لو ) لا تفيد إلا الربط والله أعلم
وأما قوله إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَى ْء قَدِيرٌ ففيه مسائل
المسألة الأولى منهم من استدل به على أن المعدوم شيء قال لأنه تعالى أثبت القدرة على الشيء والموجود لا قدرة عليه لاستحالة إيجاد الموجود فالذي عليه القدرة معدوم وهو شيء فالمعدوم شيء والجواب لو صح هذا الكلام لزم أن ما لا يقدر الله عليه لا يكون شيئاً فالموجود لما لم يقدر الله عليه وجب أن لا يكون شيئاً
المسألة الثانية احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء قال لأنها تدل على أن كل شيء مقدور لله والله تعالى ليس بمقدور له فوجب أن لا يكون شيئاً واحتج أيضاً على ذلك بقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء ( الشورى ١١ ) قال لو كان هو تعالى شيئاً لكان تعالى مثل نفسه فكان يكذب قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء فوجب أن لا يكون شيئاً حتى لا تتناقض هذه الآية واعلم أن هذا الخلاف في الاسم لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم واحتج أصحابنا بوجهين الأول قوله تعالى قُلْ أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً قُلِ اللَّهِ ( الأنعام ١٩ ) والثاني قوله تعالى كُلُّ شَى ْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ( القصص ٨٨ ) والمستثنى داخل في المستثنى منه فيجب أن يكون شيئاً
المسألة الثالثة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى خلافاً لأبي علي وأبي هاشم وجه الاستدلال أن مقدور العبد شيء وكل شيء مقدور لله تعالى بهذه الآية فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدوراً لله تعالى
المسألة الرابعة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المحدث حال حدوثه مقدور لله خلافاً للمعتزلة فإنهم يقولون الاستطاعة قبل الفعل محال فالشيء إنما يكون مقدوراً قبل حدوثه وبيان استدلال الأصحاب أن المحدث حال وجوده شيء وكل شيء مقدور وهذا الدليل يقتضي كون الباقي مقدوراً ترك العمل به فبقي معمولاً به في محل النزاع لأنه حال البقاء مقدوره على معنى أنه تعالى قادر على إعدامه أما حال الحدوث فيستحيل أن يقدر الله على إعدامه لاستحالة أن يصير معدوماً في أول زمان وجوده فلم يبق إلا أن يكون قادراً على إيجاده
المسألة الخامسة تخصيص العام جائز في الجملة وأيضاً تخصيص العام جائز بدليل العقل لأن قوله وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ ( البقرة ٢٨٤ ) يقتضي أن يكون قادراً على نفسه ثم خص بدليل العقل فإن قيل إذا كان


الصفحة التالية
Icon