المعرفة وهو محال لأن عبادة من لا يعرف ممتنعة أو يؤمر بالعبادة بعد المعرفة إلا أن على هذا التقدير يكون الأمر بالعبادة موقوفاً على الأمر بالمعرفة فلما كان الأمر بالمعرفة ممتنعاً كان الأمر بالعبادة أيضاً ممتنعاً وأيضاً يستحيل أن يكون هذا الخطاب مع المؤمنين لأنهم يعبدون الله فأمرهم بالعبادة يكون أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال والجواب من الناس من قال الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول ملك النصاب وهؤلاء هم القائلون بأن المعارف ضرورية وأما من لم يقل بذلك استدل بهذه الآية على أن المعارف ليست ضرورية فقال الأمر بالعبادة حاصل والعبادة لا تمكن إلا بالمعرفة والأمر بالشيء أمر بما هو من ضرورياته كما أن الطهارة إذا لم تصح إلا بإحضار الماء كان إحضار الماء واجباً والدهري لا يصح منه تصديق الرسول إلا بتقديم معرفة الله تعالى فوجبت والمحدث لا تصح منه الصلاة إلا بتقديم الطهارة فوجبت والمودع لا يمكنه رد الوديعة إلا بالسعي إليها فكان السعي واجباً فكذا ههنا يصح أن يكون الكافر مخاطباً بالعبادة وشرط الإتيان بها الإتيان بالإيمان أولاً ثم الإتيان بالعبادة بعد ذلك بقي لهم الأمر بتحصيل المعرفة محال قلنا هذه المسألة مستقصاة في الأصول والذي نقول ههنا إن هذا الكلام وإن تم في كل ما يتوقف العلم يكون الله آمراً على العلم به فإنه لا يجري فيما عدا ذلك من الصفات فلم لا يجوز ورود الأمر بذلك سلمنا ذلك فلم لا يجوز أن يقال هذا الأمر بتناول المؤمنين قوله لأنه يصير ذلك أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال قلنا لما تعذر ذلك فنحمله إما على الأمر بالاستمرار على العبادة أو على الأمر بالازدياد منها ومعلوم أن الزيادة على العبادة عبادة فصح تفسير قوله ( اعبدوا ) بالزيادة في العبادة البحث الخامس قال منكرو التكليف لا يجوز ورود الأمر من الله تعالى بالتكليف لوجوه أحدها أن التكليف إما أن يتوجه على العبد حال استواء دواعيه إلى الفعل أو الترك أو حال رجحان أحدهما على الآخر فإن كان الأول فهو محال لأن في حال الاستواء يمتنع حصول الترجيح لأن الاستواء يناقض الترجيح فالجمع بينهما محال والتكليف بالفعل حال استواء الداعيين تكليف بما لا يطاق وإن كان الثاني فالراجح واجب الوقوع لأن المرجوح حال ما كان مساوياً للراجح كان ممتنع الوقوع وإلا فقد وقع الممكن لا عن مرجح وإذا كان حال الاستواء ممتنع الوقوع فبأن يصير حال المرجوحية ممتنع الوقوع أولى وإذا كان المرجوح ممتنع الوقوع كان الراجح واجب الوقوع ضرورة أنه لا خروج عن النقيضين إذا ثبت هذا فالتكليف إن وقع بالراجح كان التكليف تكليفاً بإيجاد ما يجب وقوعه وإن وقع بالمرجوح كان التكليف تكليفاً بما يمتنع وقوعه وكلاهما تكليف ما لا يطاق وثانيها أن الذي ورد به التكليف إما أن يكون قد علم الله في الأزل وقوعه أو علم أنه لا يقع أو لم يعلم لا هذا ولا ذاك فإن كان الأول كان واجب الوقوع ممتنع العدم فلا فائدة في ورود الأمر به وإن علم لا وقوعه كان ممتنع الوقوع واجب العدم فكان الأمر بإيقاعه أمراً بإيقاع الممتنع وإن لم يعلم لا هذا ولا ذاك كان ذلك قولاً بالجهل على الله تعالى وهو محال ولأن بتقدير أن يكون الأمر كذلك فإنه لا يتميز المطيع عن العاصي وحينئذٍ لا يكون في الطاعة فائدة وثالثها أن ورود الأمر بالتكاليف إما أن يكون لفائدة أو لا لفائدة فإن كان لفائدة فهي إما عائدة إلى المعبود أو إلى العابد أما إلى المعبود فمحال لأنه كامل لذاته والكامل لذاته لا يكون كاملاً بغيره ولأنا نعلم


الصفحة التالية
Icon