الحمد وتريد السورة بالكلية فكأنه تعالى قال أقسم بهذه الحروف إن هذا الكتاب هو ذلك الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ السابع عشر أن التكلم بهذه الحروف وإن كان معتاداً لكل أحد إلا أن كونها مسماة بهذه الأسماء لا يعرفه إلا من اشتغل بالتعلم والاستفادة فلما أخبر الرسول عليه السلام عنها من غير سبق تعلم واستفادة كان ذلك إخباراً عن الغيب فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكرها ليكون أول ما يسمع من هذه السورة معجزة دالة على صدقه الثامن عشر قال أبو بكر التبريزي إن الله تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة تقول بقدم القرآن فذكر هذه الحروف تنبيهاً على أن كلامه مؤلف من هذه الحروف فيجب أن لا يكون قديماً التاسع عشر قال القاضي الماوردي المراد من ( آلم ) أنه ألم بكم ذلك الكتاب أي نزل عليكم والإلمام الزيارة وإنما قال تعالى ذلك لأن جبريل عليه السلام نزل به نزول الزائر العشرون الألف إشارة إلى ما لا بدّ منه من الاستقامة في أول الأمر وهو رعاية الشريعة قال تعالى مِن الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ ( فصلت ٣٠ ) واللام إشارة إلى الانحناء الحاصل عند المجاهدات وهو رعاية الطريقة قال الله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ( العنكبوت ٦٩ ) والميم إشارة إلى أن يصير العبد في مقام المحبة كالدائرة التي يكون نهايتها عين بدايتها وبدايتها عين نهايتها وذلك إنما يكون بالفناء في الله تعالى بالكلية وهو مقام الحقيقة قال تعالى قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ( الأنعام ٩١ ) الحادي والعشرون الألف من أقصى الحلق وهو أول مخارج الحروف واللام من طرف اللسان وهو وسط المخارج والميم من الشفة وهو آخر المخارج فهذه إشارة إلى أنه لا بدّ وأن يكون أول ذكر العبد ووسطه وآخره ليس إلا الله تعالى على ما قال فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ ( الذاريات ٥٠ )
كون فوائح السور أسماءها
والمختار عند أكثر المحققين من هذه الأقوال أنها أسماء السور والدليل عليه أن هذه الألفاظ إما أن لا تكون مفهومة أو تكون مفهومة والأول باطل أما أولاً فلأنه لو جاز ذلك لجاز التكلم مع العربي بلغة الزنج وأما ثانياً فلأنه تعالى وصف القرآن أجمع بأنه هدى وذلك ينافي كونه غير معلوم وأما القسم الثانيفنقول إما أن يكون مراد الله تعالى منها جعلها أسماء الألقاب أو أسماء المعني والثاني باطل لأن هذه الألفاظ غير موضوعة في لغة العرب لهذه المعاني التي ذكرها المفسرون فيمتنع حملها عليها لأن القرآن نزل بلغة العرب فلا يجوز حملها على ما لا يكون حاصلاً في لغة العرب ولأن المفسرين ذكروا وجوهاً مختلفة وليست دلالة هذه الألفاظ على بعض ما ذكروه أولى من دلالتها على الباقي فأما أن يعمل على الكل وهو معتذر بالإجماع لأن كل واحد من المفسرين إنما حمل هذه الألفاظ على معنى واحد من هذه المعاني المذكورة وليس فيهم من حملها على الكل أو لا يحمل على شيء منها وهو الباقي ولما بطل هذا القسم وجب الحكم بأنها من أسماء الألقاب
جعلها أسماء ألقاب أو معاني
فإن قيل لم لا يجوز أن يقال هذه الألفاظ غير معلومة قوله ( لو جاز ذلك لجاز التكلم مع العربي بلغة الزنج ) قلنا ولم لا يجوز ذلك وبيانه أن الله تعالى تكلم بالمشكاة وهو بلسان الحبشة والسجيل والاستبرق فارسيان قوله ( وصف القرآن أجمع بأنه هدى وبيان ) قلنا لا نزاع في اشتمال القرآن على المجملات والمتشابهات فإذا لم يقدح ذلك في كونه هدى وبياناً فكذا ههنا سلمنا أنها مفهومة لكن قولك ( إنها إما أن تكون من أسماء الألقاب أو من أسماء المعاني ) إنما يصح لو ثبت كونها موضوعة لإفادة أمر ما وذلك ممنوع ولعل الله تعالى تكلم بها لحكمة أخرى مثل ما قال قطرب من أنهم لما تواضعوا في الابتداء


الصفحة التالية
Icon