كما قال هُدًى لّلْمُتَّقِينَ وسادسها أنه سبحانه وتعالى خلق الأنبياء المكرمين من الأرض على ما قال مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ( طه ٥٥ ) ولم يخلق من السموات شيئاً لأنه قال وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ( الأنبياء ٣٢ ) وسابعها أن الله تعالى أكرم نبيه بها فجعل الأرض كلها مساجد له وجعل ترابها طهوراً أما قوله السَّمَاء بِنَاء ففيه مسائل
المسألة الأولى أنه تعالى ذكر أمر السماوات والأرض في كتابه في مواضع ولا شك أن إكثار ذكر الله تعالى من ذكر السماوات والأرض يدل على عظم شأنهما وعلى أن له سبحانه وتعالى فيهما أسراراً عظيمة وحكماً بالغة لا يصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم
المسألة الثانية في فضائل السماء وهي من وجوه الأول أن الله تعالى زينها بسبعة أشياء بالمصابيح وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ( الملك ٥ ) وبالقمر وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وبالشمس وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ( نوج ١٦ ) وبالعرش رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( التوبة ٢٩ ) وبالكرسي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( البقرة ٢٥٥ ) وباللوح فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( البروج ٢٢ ) وبالقلم ن وَالْقَلَمِ ( القلم ١ ) فهذه سبعة ثلاثة منها ظاهرة وأربعة خفية ثبتت بالدلائل السمعية من الآيات والأخبار الثاني أنه تعالى سمى السموات بأسماء تدل على عظم شأنها سماء وسقفاً محفوظاً وسبعاً طباقاً وسبعاً شداداً ثم ذكر عاقبة أمرها فقال وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ ( المرسلات ٩ ) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ( التكوير ١١ ) يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاء ( الأنبياء ١٠٤ ) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ ( المعارج ٨ ) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً ( الطور ٩ ) فَكَانَتْ وَرْدَة ً كَالدّهَانِ ( الرحمن ٣٧ ) وذكر مبدأها في آيتين فقال ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِى َ دُخَانٌ ( فصلت ١١ ) وقال أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاواتِ وَالاْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ( الأنبياء ٣٠ ) فهذا الاستقصاء الشديد في كيفية حدوثهما وفنائهما يدل على أنه سبحانه خلقهما لحكمة بالغة على ما قال وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( ص ٢٧ ) والثالث أنه تعالى جعل السماء قبلة الدعاء فالأيدي ترفع إليها والوجوه تتوجه نحوها وهي منزل الأنوار ومحل الصفاء والأضواء والطهارة والعصمة عن الخلل والفساد الرابع قال بعضهم السماوات والأرضون على صفتين فالسماوات مؤثرة غير متأثرة والأرضون متأثرة غير مؤثرة والمؤثر أشرف من القابل فلهذا السبب قدم ذكر السماء على الأرض في الأكثر وأيضاً ففي أكثر الأمر ذكر السموات بلفظ الجمع والأرض بلفظ الواحد فإنه لا بدّ من السموات الكثيرة ليحصل بسببها الاتصالات المختلفة للكواكب وتغير مطارح الشعاعات وأما الأرض فقابلة فكانت الأرض الواحدة كافية الخامس تفكر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وتقوية له حتى أن الأطباء يأمرون من أصابه وجع العين بالنظر إلى الزرقة فانظر كيف جعل الله تعالى أديم


الصفحة التالية
Icon