الصلاة والسلام جسم وأن نزوله عبارة عن انتقاله من عالم الأفلاك إلى مكة وإذاكان كذلك كان الإلزام المذكور قوياً روي أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر قصة المعراج كذبه الكل وذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال أبو بكر إن كان قد قال ذلك فهو صادق ثم جاء إلى رسول الله ( ﷺ ) فذكر الرسول له تلك التفاصيل فكلما ذكر شيئاً قال أبو بكر صدقت فلما تمم الكلام قال أبو بكر أشهد أنك رسول الله حقاً فقال له الرسول وأنا أشهد أنك الصديق حقاً وحاصل الكلام أن أبا بكر رضي الله عنه كأنه قال لما سلمت رسالته فقد صدقته فيما هو أعظم من هذا فكيف أكذبه في هذا
الوجه الرابع أن أكثر أرباب الملل والنحل يسلمون وجود إبليس ويسلمون أنه هو الذي يتولى إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم ويسلمون أنه يمكنه الانتقال من المشرق إلى المغرب لأجل إلقاء الوساوس في قلوب بني آدم فلما سلموا جواز مثل هذه الحركة السريعة في حق إبليس فلأن يسلموا جواز مثلها في حق أكابر الأنبياء كان أولى وهذا الإلزام قوي على من يسلم أن إبليس جسم ينتقل من مكان إلى مكان أما الذين يقولون إنه من الأرواح الخبيثة الشريرة وأنه ليس بجسم ولا جسماني فهذا الإلزام غير وارد عليهم إلا أن أكثر أرباب الملل والنحل يوافقون على أنه جسم لطيف متنقل
فإن قالوا هب أن الملائكة والشياطين يصح في حقهم حصول مثل هذه الحركة السريعة لأنهم أجسام لطيفة ولا يمتنع حصول مثل هذه الحركة السريعة في ذواتها أما الإنسان فإنه جسم كثيف فكيف يعقل حصول مثل هذه الحركة السريعة فيه
قلنا نحن إنما استدللنا بأحوال الملائكة والشياطين على أن حصول حركة منتهية في السرعة إلى هذا الحد ممكن في نفس الأمر وأما بيان أن هذه الحركة لما كانت ممكنة الوجود في نفسها كانت أيضاً ممكنة الحصول في جسم البدن الإنساني فذاك مقام آخر سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى
الوجه الخامس أنه جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه الصلاة والسلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة قال تعالى في صفلا مسير سليمان عليه الصلاة والسلام غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ( سبأ ١٢ ) بل نقول الحس يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة وذلك أيضاً يدل على أن مثل هذه الحركة السريعة في نفسها ممكنة
الوجه السادس أن القرآن يدل على أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بقليس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر بدليل قوله تعالى قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ( النمل ٤٠ ) وإذاكان ممكناً في حق بعض الناس علمنا أنه في نفسه ممكن الوجود
الوجه السابع إن من الناس من يقول الحيوان إنما يبصر المبصرات لأجل أن الشعاع يخرج من عينيه ويتصل بالمبصر ثم إنا إذا فتحنا العين ونظرنا إلى رجل رأيناه فعلى قول هؤلاء انتقل شعاع العين من أبصارنا إلى رجل في تلك اللحظة اللطيفة وذلك يدل على أن الحركة الواقعة على هذا الحد من السريعة من الممكنات لا من الممتنعات فثبت بهذه الوجوه أن حصول الحركة المنتهية في السرعة إلى هذا الحد أمر ممكن الوجود في نفسه


الصفحة التالية
Icon