قلنا التقدير كأنه قال لا تتخذوا من دوني وكيلاً ولا تشركوا بي لأن نوحاً عليه الصلاة والسلام كان عبداً شكوراً وإنما يكون العبد شكوراً لو كان موحداً لا يرى حصول شيء من النعم إلا من فضل الله وأنتم ذرية قومه فاقتدوا بنوح عليه السلام كما أن آباءكم اقتدوا به والله أعلم
وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّة َ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا
اعلم أنه تعالى لما ذكر إنعامه على بني إسرائيل بإنزال التوراة عليهم وبأنه جعل التوراة هدى لهم بين أنهم ما اهتدوا بهداه بل وقعوا في الفساد فقال وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْراءيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الاْرْضِ مَرَّتَيْنِ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى القضاء في اللغة عبارة عن قطع الأشياء عن إحكام ومنه قوله فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ( فصلت ١٢ ) وقول الشاعر
وعليهما مسرودتان قضاهما داود
فقوله وَقَضَيْنَا أي أعلمناهم وأخبرناهم بذلك وأوحينا إليهم ولفظ إِلَى صلة للإيحاء لأن معنى قضينا أوحينا إليهم كذا وقوله لَتُفْسِدُنَّ يريد المعاصي وخلاف أحكام التوراة وقوله فِى الاْرْضِ يعني أرض مصر وقوله وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً يعني أنه يكون استعلاؤكم على الناس بغير الحق استعلاء عظيماً لأنه يقال لكل متجبر قد علا وتعظم ثم قال فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَاهُمَا يعني أولى المرتين بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ والمعنى أنه إذا جاء وعد الفساق في المرة الأولى أرسلنا عليكم قوماً أولى بأس شديد ونجدة وشدة والبأس القتال ومنه قوله تعالى وَحِينَ الْبَأْسِ ( البقرة ١٧٧ ) ومعنى بعثنا عليكم أرسلنا عليكم وخلينا بينكم وبينهم خاذلين إياكم واختلفوا في أن هؤلاء العباد من هم قيل إن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء وذلك أول الفسادين فسلط الله عليهم بختنصر فقتل منهم أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية إلى أرض نفسه فبقوا هناك في الذل إلى أن قيض الله ملكاً آخر غزا أهل بابل واتفق أن تزوج بامرأة من بني إسرائيل فطلبت تلك المرأة من ذلك الملك أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا فهو قوله ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّة َ عَلَيْهِمْ


الصفحة التالية
Icon