القول الثاني لأنا إذا حملنا الإنسان على آدم عليه الصلاة والسلام كان المعنى أن آدم الذي كان أصل البشر لما كان موصوفاً بهذه العجلة وجب أن تكون هذه صفة لازمة للكل فكان المقصود عائداً إلى القول الثاني والله أعلم
وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ ءَايَة َ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَة َ النَّهَارِ مُبْصِرَة ً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَى ْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
في الآية مسائل
المسألة الأولى في تقرير النظم وجوه
الوجه الأول أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة ما أوصل إلى الخلق من نعم الدين وهو القرآن أتبعه ببيان ما أوصل إليهم من نعم الدنيا فقال وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءايَتَيْنِ وكما أن القرآن ممتزج من المحكم والمتشابه فكذلك الدهر مركب من النهار والليل فالمحكم كالنهار والمتشابه كالليل وكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه فكذلك الوقت والزمان لا يكمل الانتفاع به إلا بالنهار والليل
والوجه الثاني في تقرير النظم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وذلك الأقوم ليس إلا ذكر الدلائل الدالة على التوحيد والنبوة لا جرم أردفه بذكر دلائل التوحيد وهو عجائب العالم العلوي والسفلي
الوجه الثالث أنه لما وصف الإنسان بكونه عجولاً أي منتقلاً من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة بين أن كل أحوال هذا العالم كذلك وهو الانتقال من النور إلى الظلمة وبالضد وانتقال نور القمر من الزيادة إلى النقصان وبالضد والله أعلم
المسألة الثانية في قوله وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءايَتَيْنِ قولان
القول الأول أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل والنهار والمعنى أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا أما في الدين فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر مغاير له مع كونهما متعاقبين على الدوام من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين لذاتهما بل لا بد لهما من فاعل يدبرهما ويقدرهما بالمقادير المخصوصة وأما في الدنيا فلأن مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل والنهار فلولا الليل لما حصل السكون والراحة ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف في وجوه المعاش
ثم قال تعالى فَمَحَوْنَا ءايَة َ الَّيْلِ وعلى هذا القول تكون الإضافة في آية الليل والنهار للتبيين والتقدير فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي نفس النهار مبصرة ونظيره قولنا نفس الشيء


الصفحة التالية
Icon