القوم بكسر الميم إذا كثروا وآمرهم الله بالمد أي كثرهم الله والتشديد على التسليط أي سلطنا مترفيها ومعناه التخلية وزوال المنع بالقهر والله أعلم
أما قوله تعالى وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ فاعلم أن المراد أن الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون ويتمردون فيما تقدم من القرون الذين كانوا بعد نوح وهم عاد وثمود وغيرهم ثم إنه تعالى خاطب رسوله بما يكون خطاباً لغيره وردعاً وزجراً للكل فقال وَكَفَى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا وفيه بحثان
البحث الأول أنه تعالى عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات فلا يخفى عليه شيء من أحوال الخلق وثبت أنه قادر على كل الممكنات فكان قادراً على إيصال الجزاء إلى كل أحد بقدر استحقاقه وأيضاً أنه منزه عن العبث والظلم ومجموع هذه الصفات الثلاث أعني العلم التام والقدرة الكاملة والبراءة عن الظلم بشارة عظيمة لأهل الطاعة وخوف عظيم لأهل الكفر والمعصية
البحث الثاني قال الفراء لو ألغيت الباء من قولك بربك جاز وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم كقولك كفاك به وأكرم به رجلاً وطاب بطعامك طعاماً وجاد بثوبك ثوباً أما إذا لم يكن مدحاً أو ذماً لم يجز دخولها فلا يجوز أن يقال قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك والله أعلم
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَة َ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الاٌّ خِرَة َ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَائِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَاؤُلا ءِ وَهَاؤُلا ءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلاٌّ خِرَة ُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
في الآية مسائل
المسألة الأولى قال القفال رحمه الله هذه الآية داخلة في معنى قوله وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ( الإسراء ١٣ ) ومعناه أن الكمال في الدنيا قسمان فمنهم من يريد بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم اشفاقاً من زوال الرياسة عنه فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً لأنه في قبضة الله تعالى فيؤتيه الله في الدنيا منها قدراً لا كما يشاء ذلك الإنسان بل كما يشاء الله إلا أن عاقبته جهنم يدخلها فيصلاها بحرها مذموماً ملوماً مدحوراً منفياً


الصفحة التالية
Icon