إلا أنه لما كان الطريق فاسداً لا جرم لم ينتفع به وكذلك القول في جميع فرق المبطلين الذين يتقربون إلى الله تعالى بمذاهبهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة وأعمالهم المنحرفة عن قانون الصدق والصواب
والشرط الثالث قوله تعالى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وهذا الشرط معتبر لأن الشرط في كون أعمال البر موجبة للثواب تقدم الإيمان فإذا لم يوجد الشرط لم يحصل المشروط ثم إنه تعالى أخبر أن عند حصول هذه الشرائط يصير السعي مشكوراً والعمل مبروراً
واعلم أن الشكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة اعتقاد كونه محسناً في تلك الأعمال والثناء عليه بالقول والإتيان بأفعال تدل على كونه معظماً عن ذلك الشاكر والله تعالى يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة فإنه تعالى عالم بكونهم محسنين في تلك الأعمال وأنه تعالى يثني عليهم بكلامه وأنه تعالى يعاملهم بمعاملات دالة على كونهم معظمين عند الله تعالى وإذا كان مجموع هذه الثلاثة حاصلاً كانوا مشكورين على طاعاتهم من قبل الله تعالى ورأيت في كتب المعتزلة أن جعفر بن حرب حضر عنده واحد من أهل السنة وقال الدليل على أن الإيمان حصل بخلق الله تعالى أنا نشكر الله على الإيمان ولو لم يكن الإيمان حاصلاً بإيجاده لامتنع أن نشكره عليه لأن مدح الإنسان وشكره على ما ليس من عمله قبيح قال الله تعالى وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ ( آل عمران ١٨٨ ) فعجز الحاضرون عن الجواب فدخل ثمامة بن الأشرس وقال إنما نمدح الله تعالى ونشكره على ما أعطانا من القدرة والعقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل والله تعالى يشكرنا على فعل الإيمان قال تعالى فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا قال فضحك جعفر بن حرب وقال صعب المسألة فسهلت
واعلم أن قولنا مجموع القدرة مع الداعي يوجب الفعل كلام واضح لأنه تعالى هو الذي أعطى الموجب التام لحصول الإيمان فكان هو المستحق للشكر ولما حصل الإيمان للعبد وكان الإيمان موجباً للسعادة التامة صار العبد أيضاً مشكوراً ولا منافاة بين الأمرين
المسألة الثانية اعلم أن كل من أتى بفعل فإما أن يقصد بذلك الفعل تحصيل خيرات الدنيا أو تحصيل خيرات الآخرة أو يقصد به مجموعهما أو لم يقصد به واحداً منهما هذا هو التقسيم الصحيح أما إن قصد به تحصيل الدنيا فقط أو تحصيل الآخرة فقط فالله تعالى ذكر حكم هذين القسمين في هذه الآية
أما القسم الثالث فهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام لأنه إما أن يكون طلب الآخرة راجحاً أو مرجوحاً أو يكون الطلبان متعادلين
أما القسم الأول وهو أن يكون طلب الآخرة راجحاً فهل يكون هذا العمل مقبولاً عند الله تعالى فيه بحث يحتمل أن يقال إنه غير مقبول لما روي أن النبي ( ﷺ ) حكى عن رب العزة أنه قال ( أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشريكه ) وأيضاً فطلب رضوان الله إما أن يقال إنه كان سبباً مستقلاً بكونه باعثاً على ذلك الفعل أو داعياً إليه وإما أن يقال ما كان كذلك فإن كان الأول امتنع أن يكون لغيره مدخل في ذلك البعث والدعاء لأن الحكم إذا حصل مسنداً إلى سبب تام كامل امتنع أن يكون لغيره


الصفحة التالية
Icon