السلام ( من أعتق نصيباً له من عبد قوم عليه الباقي ) فإن الحكم في الأمة والعبد متساويان وثالثها أن يكون الحكم في محل السكوت أخفى من الحكم في محل الذكر وهو أكبر القياسات
إذا عرفت هذا فنقول المنع من التأفيف إنما يدل على المنع من الضرب بواسطة القياس الجلي الذي يكون من باب الاستدلال بالأدنى على الأعلى والدليل عليه أن التأفيف غير الضرب فالمنع من التأفيف لا يكون منعاً من الضرب وأيضاً المنع من التأفيف لا يستلزم المنع من الضرب عقلاً لأن الملك الكبير إذا أخذ ملكاً عظيماً كان عدواً له فقد يقول للجلاد إياك وأن تستخف به أو تشافهه بكلمة موحشة لكن اضرب رقبته وإذا كان هذا معقولاً في الجملة علمنا أن المنع من التأفيف مغاير للمنع من الضرب وغير مستلزم للمنع من الضرب عقلاً في الجملة إلا أنا علمنا في هذه الصورة أن المقصود من هذا الكلام المبالغة في تعظيم الوالدين بدليل قوله وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَة ِ فكانت دلالة المنع من التأفيف على المنع من الضرب من باب القياس بالأدنى على الأعلى والله أعلم
النوع الثاني من الأشياء التي كلف الله تعالى العباد بها في حق الأبوين قوله وَلاَ تَنْهَرْهُمَا يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره قال تعالى وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ ( الضحى ١٠ )
فإن قيل المنع من التأفيف يدل على المنع من الانتهار بطريق الأولى فلما قدم المنع من التأفيف كان ذكر المنع من الانتهار بعده عبثاً أما لو فرضنا أنه قدم المنع من الانتهار ثم أتبعه بالمنع من التأفيف كان مفيداً حسناً لأنه يلزم من المنع من الانتهار المنع من التأفيف فما السبب في رعاية هذا الترتيب
قلنا المراد من قوله فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ المنع من إظهار الضجر بالقليل أو الكثير والمراد من قوله وَلاَ تَنْهَرْهُمَا المنه من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليه والتكذيب له
النوع الثالث قوله تعالى وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا واعلم أنه تعالى لما منع الإنسان بالآية المتقدمة عن ذكر القول المؤذي الموحش والنهي عن القول المؤذي لا يكون أمراً بالقول الطيب لا جرم أردفه بأن أمره بالقول الحسن والكلام الطيب فقال وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا والمراد منه أن يخاطبه بالكلام المقرون بأمارات التعظيم والاحترام قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أن يقول له يا أبتاه يا أماه وسئل سعيد بن المسيب عن القول الكريم فقال هو قول العبد المذنب للسيد الفظ وعن عطاء أن يقال هو أن تتكلم معه بشرط أن لا ترفع عليهما صوتك ولا تشد إليهما نظرك وذلك لأن هذين الفعلين ينافيان القول الكريم
فإن قيل إن إبراهيم عليه السلام كان أعظم الناس حلماً وكرماً وأدباً فكيف قال لأبيه يا آزر على قراءة من قرأ وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ لاِبِيهِ ءازَرَ بالضم إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( الأنعام ٧٤ ) فخاطبه بالاسم وهو إيذاء ثم نسبه ونسب قومه إلى الضلال وهو أعظم أنواع الإيذاء
قلنا إن قوله تعالى وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً يدل على أن حق الله تعالى مقدم على حق الأبوين فإقدام إبراهيم عليه السلام على ذلك الإيذاء إنما كان تقديماً لحق الله تعالى على حق الأبوين
النوع الرابع قوله وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَة ِ والمقصود منه المبالغة في التواضع وذكر


الصفحة التالية
Icon