عن إقدامه على ذلك القتل الظلم وقرأ حمزة والكسائي فَلا بالتاء على الخطاب وهذه القراءة تحتمل وجهين أحدهما أن يكون الخطاب للمبتدىء القاتل ظلماً كأنه قيل له لا تسرف أيها الإنسان وذلك الإسراف هو إقدامه على ذلك القتل الذي هو ظلم محض والمعنى لا تفعل فإنك إن قتلته مظلوماً استوفى القصاص منك والآخر أن يكون الخطاب للولي فيكون التقدير لا تسرف في القتل أيها الولي أي اكتف باستيفاء القصاص ولا تطلب الزيادة وأما قوله الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ففيه ثلاثة أوجه الأول كأنه قيل للظالم المبتدىء بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك فإن ذلك المقتول يكون منصوراً في الدنيا والآخرة أما نصرته في الدنيا فبقتل قاتله وأما في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقاتله
والقول الثاني أن هذا الولي يكون منصوراً في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصوراً فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منه لأن من يكون منصوراً من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة
والقول الثالث أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة
واعلم أن على القول الأول والثاني ظهر أن المقتول وولي دمه يكونان منصورين من عند الله تعالى وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام وأيم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان لأن الله تعالى يقول وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً وقال الحسن والله ما نصر معاوية على علي عليه السلام إلا بقول الله تعالى وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً والله أعلم
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأشياء التي نهى الله عنها في هذه الآيات
اعلم أنا ذكرنا أن الزنا يوجب اختلاط الأنساب وذلك يوجب منع الاهتمام بتربية الأولاد وذلك يوجب انقطاع النسل وذلك يوجب المنع من دخول الناس في الوجود وأما القتل فهو عبارة عن إعدام الناس بعد دخولهم في الوجود فثبت أن النهي عن الزنا والنهي عن القتل يرجع حاصله إلى النهي عن إتلاف النفوس فلما ذكر الله تعالى ذلك أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال لأن أعز الأشياء بعد النفوس الأموال وأحق الناس بالنهي عن إتلاف أموالهم هو اليتيم لأنه لصغره وضعفه وكمال عجزه يعظم ضرره بإتلاف ماله فلهذا السبب خصهم الله تعالى بالنهي عن إتلاف أموالهم فقال وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ ونظيره قوله تعالى وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ( النساء ٦ ) وفي تفسير قوله إِلاَّ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ وجهان الأول إلا بالتصرف الذي ينميه ويكثره الثاني المراد هو أن تأكل معه إذا احتجت إليه وروى مجاهد عن ابن عباس قال إذا احتاج أكل بالمعروف فإذا أيسر قضاه فإن لم يوسر فلا شيء عليه
واعلم أن الولي إنما تبقى ولايته على اليتيم إلى أن يبلغ أشده وهو بلوغ النكاح كما بينه الله تعالى


الصفحة التالية
Icon