والوجه الثالث أنه ثبت بالقرآن أنه تعالى يخلق الحياة في الأعضاء ثم إنها تشهد على الإنسان والدليل عليه قوله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( النور ٢٤ ) ولذلك لا يبعد أن يخلق الحياة والعقل والنطق في هذه الأعضاء ثم إنه تعالى يوجه السؤال عليها
وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذالِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من الأشياء التي نهى الله عنها في هذه الآيات وفيه مسائل
المسألة الأولى المرح شدة الفرح يقال مرح يمرح مرحاً فهو مرح والمراد من الآية النهي عن أن يمشي الإنسان مشياً يدل على الكبرياء والعظمة قال الزجاج لا تمش في الأرض مختالاً فخوراً ونظيره قوله تعالى في سورة الفرقان وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاْرْضِ هَوْناً ( الفرقان ٦٣ ) وقال في سورة لقمان وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ( لقمان ١٩ ) وقال أيضاً فيها وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( لقمان ١٨ )
المسألة الثانية قال الأخفش ولو قرى مَرَحاً بالكسر كان أحسن في القراءة قال الزجاج مرحاً مصدر ومرحاً اسم الفاعل وكلاهما جائز إلا أن المصدر أحسن ههنا وأوكد تقول جاء زيد ركضاً وراكضاً فركضاً أوكد لأنه يدل على توكيد الفعل ثم إنه تعالى أكد النهي عن الخيلاء والتكبر فقال إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الاْرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً والمراد من الخرق ههنا نقب الأرض ثم ذكروا فيه وجوهاً الأول أن المشي إنما يتم بالارتفاع والانخفاض فكأنه قيل إنك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض ونقبها وحال الارتفاع لا تقدر على أن تصل إلى رؤوس الجبال والمراد التنبيه على كونه ضعيفاً عاجزاً فلا يليق به التكبر الثاني المراد منه أن تحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها فأنت محاط بك من فوقك وتحتك بنوعين من الجماد وأنت أضعف منهما بكثير والضعيف المحصور لا يليق به التكبر فكأنه قيل له تواضع ولا تتكبر فإنك خلق ضعيف من خلق الله المحصور بين حجارة وتراب فلا تفعل فعل المقتدر القوي
ثم قال تعالى كُلُّ ذالِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا وفيه مسائل
المسألة الأولى الأكثرون قرؤا سيئه بضم الهاء والهمزة وقرى نافع وابن كثير وأبو عمرو سيئه منصوبة أما وجه قراءة الأكثرين فظاهر من وجهين
الوجه الأول قال الحسن إنه تعالى ذكر قبل هذا أشياء أمر ببعضا ونهى عن بعضها فلو حكم على الكل بكونه سيئه لزم كون المأمور به سيئة وذلك لا يجوز أما إذا قرأناه بالإضافة كان المعنى أن ما كان من تلك الأشياء المذكورة سيئة فهو مكروه عند الله واستقام الكلام


الصفحة التالية
Icon