قلنا معناه أنكم إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلاً مسحوراً والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه عقله وزال عن حد الاستواء هذا هو القول الصحيح وقال بعضهم المسحور هو الذي أفسد يقال طعام مسحور إذا أفسد عمله وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها قال أبو عبيدة يريد بشراً ذا سحر أي ذارئة قال ابن قتيبة ولا أدري ما الذي حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة وقال مجاهد مَّسْحُورًا أي مخدوعاً لأن السحر حيلة وخديعة وذلك لأن المشركين كانوا يقولون إن محمداً يتعلم من بعض الناس هذه الكلمات وأولئك الناس يخدعونه بهذه الكلمات وهذه الحكايات فلذلك قالوا إنه مسحور أي مخدوع وأيضاً كانوا يقولون إن الشيطان يتخيل له فيظن أنه ملك فقالوا إنه مخدوع من قبل الشيطان
ثم قال انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الاْمْثَالَ أي كل أحد شبهك بشيء آخر فقالوا إنه كاهن وساحر وشاعر ومعلم ومجنون فضلوا عن الحق والطريق المستقيم فلا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى والحق
وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُواْ حِجَارَة ً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
اعلم أنه تعالى لما تكلم أولاً في الإلهيات ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات ذكر في هذه الآية شبهات القوم في إنكار المعاد والبعث والقيامة وقد ذكرنا كثيراً أن مدار القرآن على المسائل الأربعة وهي الإلهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر وأيضاً أن القوم وصفوا رسول الله ( ﷺ ) بكونه مسحوراً فاسد العقل فذكروا من جملة ما يدل على فساد عقله أنه يدعي أن الإنسان بعدما يصير عظاماً ورفاتاً فإنه يعود حياً عاقلاً كما كان فذكروا هذا الكلام رواية عنه لتقرير كونه مختل العقل قال الواحدي رحمه الله الرفت كسر الشيء بيدك تقول رفته أرفته بالكسر كما يرفت المدر والعظم البالي والرفات الأجزاء المتفتتة من كل شيء يكسر يقال رفت عظام الجزور رفتاً إذا كسرها ويقال للتبن الرفت لأنه دقاق الزرع قال الأخفش رفت رفتاً فهو مرفوت نحو حطم حطماً فهو محطوم والرفات والحطام الاسم كالجذاد والرضاض والفتات فهذا ما يتعلق باللغة أما تقرير شبهة القوم فهي أن الإنسان إذا مات جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في حوالي العالم فاختلط بتلك الأجزاء سائر أجزاء العالم أما الأجزاء المائية في البدن فتختلط بمياه العالم وأما الأجزاء الترابية فتختلط بتراب العالم وأما الأجزاء الهوائية فتختلط بهواء العالم وأما الأجزاء النارية فتختلط بنار العالم وإذا صار الأمر كذلك فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرة أخرى وكيف يعقل عود الحياة


الصفحة التالية
Icon