وقوله وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ أي أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثر وعن مجاهد الذهب والفضة أي كان مع الجنتين أشياء من النقود ولما ذكر الله تعالى هذه الصفات قال بعده فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً والمعنى أن المسلم كان يحاوره بالوعظ والدعاء إلى الإيمان بالله وبالبعث والمحاورة مراجعة الكلام من قولهم حار إذا رجع قال تعالى إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى ( الانشقاق ١٤ ١٥ ) فذكر تعالى أن عند هذه المحاورة قال الكافر أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً والنفر عشيرة الرجل وأصحابه الذين يقومون بالذب عنه وينفرون معه وحاصل الكلام أن الكافر ترفع على المؤمن بجاهه وماله ثم إنه أراد أن يظهر لذلك المسلم كثرة ماله فأخبر الله تعالى عن هذه الحالة فقال وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وأراه إياها على الحالة الموجبة للبهجة والسرور وأخبره بصنوف ما يملكه من المال فإن قيل لم أفرد الجنة بعد التثنية قلنا المراد أنه ليس له جنة ولا نصيب في الجنة التي وعد المتقون المؤمنون وهذا الذي ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ولم يقصد الجنتين ولا واحداً منهما ثم قال تعالى وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وهو اعتراض وقع في أثناء الكلام والمراد التنبيه على أنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى الكفران والجحود لقدرته على البعث كان واضعاً تلك النعم في غير موضعها ثم حكى تعالى عن الكافر أنه قال وَمَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَاذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَة َ قَائِمَة ً فجمع بين هذين فالأول قطعه بأن تلك الأشياء لا تهلك ولا تبيد أبداً مع أنها متغيرة متبدلة فإن قيل هب أنه شك في القيامة فكيف قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً مع أن الحدس يدل على أن أحوال الدنيا بأسرها ذاهبة باطلة غير باقية قلنا المراد أنها لا تبيد مدة حياته ووجوده ثم قال وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبّى لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً أي مرجعاً وعاقبة وانتصابه على التمييز ونظيره قوله تعالى وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى وقوله لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً والسبب في وقوع هذه الشبهة أنه تعالى لما أعطاه المال في الدنيا ظن أنه إنما أعطاه ذلك لكونه مستحقاً له والاستحقاق باق بعد الموت فوجب حصول العطاء والمقدمة الأولى كاذبة فإن فتح باب الدنيا على الإنسان يكون في أكثر الأمر للاستدراج والتملية قرأ نافع وابن كثير خيراً منهما والمقصود عود الكناية إلى الجنتين والباقون منها والمقصود عود الكناية إلى الجنة التي دخلها ثم ذكر تعالى جواب المؤمن فقال جل جلاله قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَة ٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً وفيه بحثان
البحث الأول أن الإنسان الأول قال وَمَا أَظُنُّ السَّاعَة َ قَائِمَة ً وهذا الثاني كفره حيث قال أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ وهذا يدل على أن الشاك في حصول البعث كافر
البحث الثاني هذا الاستدلال يحتمل وجهين الأول يرجع إلى الطريقة المذكورة في القرآن وهو أنه تعالى لما قدر على الابتداء وجب أن يقدر على الإعادة فقوله خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَة ٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً إشارة إلى خلق الإنسان في الابتداء الوجه الثاني أنه لما خلقك هكذا فلم يخلقك عبثاً وإنما خلقك للعبودية وإذا خلقك لهذا المعنى وجب أن يحصل للمطيع ثواب وللمذنب عقاب وتقريره ما ذكرناه في سورة يس ويدل على هذا الوجه قوله ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً أي هيأك هيئة تعقل وتصلح للتكليف فهل يجوز في العقل مع هذه الحالة إهماله أمرك ثم قال المؤمن لَكُنَّا هُوَ اللَّهُ رَبّى وفيه بحثان
البحث الأول قال أهل اللغة لكنا أصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فاجتمعت النونان فادغمت نون لكن في النون التي بعدها ومثله


الصفحة التالية
Icon