الدنيا فلهذا السبب ما صار توحيده مقبولاً عند الله ثم قال تعالى وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَة ٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وفيه بحثان
البحث الأول قرأ حمزة والكسائي ( ولم يكن له فئة ) بالياء لأن قوله فِئَة ٌ جمع فإذا تقدم على الكناية جاز التذكير ولأنه رعاية للمعنى والباقون بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق لأن الكناية عائدة إلى اللفظة وهي الفئة
البحث الثاني المراد من قوله يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ هو أنه ما حصلت له فئة يقدرون على نصرته من دون الله أي هو الله تعالى وحده القادر على نصرته ولا يقدر أحد غيره أن ينصره ثم قال تعالى هُنَالِكَ الْوَلَايَة ُ لِلَّهِ الْحَقّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبَى
المسألة الأولى اختلف القراء في ثلاثة مواضع من هذه الآية أولها في لفظ الولاية ففي قراءة حمزة والكسائي بكسر الواو وفي قراءة الباقين بالفتح وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال كسر الواو لحن قال صاحب الكشاف الولاية بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك وثانيها قرأ أبو عمرو والكسائي قوله الحق بالرفع والتقدير هنالك الولاية الحق لله وقرأ الباقون بالجر صفة لله وثالثها قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي وابن عامر عقباً بضم القاف وقرأ عاصم وحمزة عقبى بتسكين القاف
المسألة الثانية هُنَالِكَ الْوَلَايَة ُ لِلَّهِ فيه وجوه الأول أنه تعالى لما ذكر من قصة الرجلين ما ذكر علمنا أن النصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حق كل مؤمن وكافر فقال هُنَالِكَ الْوَلَايَة ُ لِلَّهِ الْحَقّ أي في مثل ذلك الوقت وفي مثل ذلك المقام تكون الولاية لله يوالي أولياءه فيغلبهم على أعدائه ويفوض أمر الكفار إليهم فقوله هنالك إشارة إلى الموضع والوقت الذي يريد الله إظهار كرامة أوليائه وإذلال أعدائه ( فيهما ) والوجه الثاني في التأويل أن يكون المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولى الله ويلتجيء إليه كل محتاج مضطر يعني أن قوله وَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا كلمة ألجيء إليها ذلك الكافر فقالها جزعاً مما ساقه إليه شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها والوجه الثالث المعنى هنالك الولاية لله ينصر بها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم يعني أنه تعالى نصر بما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله في قوله فعسَى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء ويعضده قوله هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبَى أي لأوليائه والوجه الرابع أن قوله هنالك إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الآخرة الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم لله ثم قال تعالى هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا أي في الآخرة لمن آمن به والتجأ إليه وَخَيْرٌ عُقْبَى أي هو خير عاقبة لمن رجاه وعمل لوجهه وقد ذكرنا أنه قرىء عقبى بضم القاف وسكونها وعقبى على فعلى وكلها بمعنى العاقبة
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَى ْءٍ مُّقْتَدِرًا


الصفحة التالية
Icon