للرسول ( ﷺ ) إن لم تطرد من مجلسك هؤلاء الفقراء لم نؤمن بك فكأنه تعالى قال إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل قوله تعالى مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة بل هم قوم كسائر الخلق فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد ونظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له لست بسلطان البلد ولا ذرية المملكة حتى نقبل منك هذه الاقتراحات الهائلة فلم تقدم عليها والذي يؤكد هذا أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات وفي هذه الآية المذكورة الأقرب هو ذكر أولئك الكفار وهو قوله تعالى بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً والمراد بالظالمين أولئك الكفار وثالثها أن يكون المراد من قوله مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ كون هؤلاء الكفار جاهلين بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة والشقاوة فكأنه قيل لهم السعيد من حكم الله بسعادته في الأزل والشقي من حكم الله بشقاوته في الأزل وأنتم غافلون عن أحوال الأزل كأنه تعالى قال مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وإذا جهلتم هذه الحالة فكيف يمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة والعلو والكمال ولغيركم بالدناءة والذل بل ربما صار الأمر في الدنيا والآخرة على العكس فيما حكمتم به
المسألة الثانية قال صاحب ( الكشاف ) قرىء وما كنت بالفتح والخطاب لرسول الله ( ﷺ ) والمعنى وما صح لك الاعتضاد بهم وما ينبغي لك أن تعتز بهم وقرأ علي رضوان الله عليه مُتَّخِذَ الْمُضِلّينَ بالتنوين على الأصل وقرأ الحسن عَضُداً بسكون الضاد ونقل ضمتها إلى العين وقرىء عَضُداً بالفتح وسكون الضاد وعضداً بضمتين وعضداً بفتحتين جمع عاضد كخادم وخدم وراصد ورصد من عضده إذا قواه وأعانه واعلم أنه تعالى لما قرر أن القول الذي قالوه في الافتخار على الفقراء اقتداء بإبليس عاد بعده إلى التهويل بأحوال يوم القيامة فقال عَضُداً وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَائِى َ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ وفيه أبحاث
البحث الأول قرأ حمزة ( نقول ) بالنون عطفاً على قوله وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَة ِ اسْجُدُواْ لاِدَمَ و أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَمَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً والباقون قرأوا بالياء
البحث الثاني واذكر يوم نقول عطفاً على قوله وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَة ِ اسْجُدُواْ
البحث الثالث المعنى واذكر لهم يا محمد أحوالهم وأحوال آلهتهم يوم القيامة إذ يقول الله لهم نَادُواْ شُرَكَائِى َ أي ادعوا من زعمتم أنهم شركاء لي حيث أهلتموهم للعبادة ادعوهم يشفعوا لكم وينصروكم والمراد بالشركاء الجن فدعوهم ولم يذكر تعالى في هذه الآية أنهم كيف دعوا الشركاء لأنه تعالى بين ذلك في آية أخرى وهو أنهم قالوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا ( غافر ٤٧ ) ثم قال تعالى فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ أي لم يجيبوهم إلى ما دعوهم إليه ولم يدفعوا عنهم ضرراً وما أوصلوا إليهم نفعاً ثم قال تعالى وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً وفيه وجوه الأول قال صاحب ( الكشاف ) الموبق المهلك من وبق يبق وبوقاً ووبقاً إذا هلك وأوبقه غيره فيجوز أن يكون مصدراً كالمورد والموعد وتقرير هذا الوجه أن يقال إن هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة كالملائكة وعيسى دعوا هؤلاء فلم يستجيبوا لهم


الصفحة التالية
Icon