وثالثها بنصب الأول وبرفع الثاني والمعنى رحمة ربك عبده وهو زكرياء وأما صيغة الماضي بالتشديد فلا بد فيها من نصب رحمة وأما صيغة الماضي بالتخفيف ففيها وجهان أحدهما رفع الباء من ربك والمعنى ذكر ربك عبده زكرياء وثانيها نصب الباء من ربك والرفع في عبده زكرياء وذلك بتقديم المفعول على الفاعل وهاتان القراءتان للكلبي وأما صيغة الأمر فلا بد من نصب رحمة وهي قراءة ابن عباس واعلم أن على تقدير جعله صيغة المصدر والماضي يكون التقدير هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك
المسألة الثانية يحتمل أن يكون المراد من قوله رحمة ربك أعني عبده زكرياء ثم في كونه رحمة وجهان أحدهما أن يكون رحمة على أمته لأنه هداهم إلى الإيمان والطاعات والآخر أن يكون رحمة على نبينا محمد ( ﷺ ) وعلى أمة محمد لأن الله تعالى لما شرح لمحمد ( ﷺ ) طريقه في الإخلاص والإبتهال في جميع الأمور إلى الله تعالى صار ذلك لفظاً داعياً له ولأمته إلى تلك الطريقة فكان زكرياء رحمة ويحتمل أن يكون المراد أن هذه السورة فيها ذكر الرحمة التي رحم بها عبدة زكرياء
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً
قوله تعالى إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً راعى سنة الله في إخفاء دعوته لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان فكان الإخفاء أولى لأنه أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص وثانيها أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة وثالثها أسره من مواليه الذين خافهم ورابعها خفي صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات فإن قيل من شرط النداء الجهر فكيف الجمع بين كونه نداء وخفياً والجواب من وجهين الأول أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن الصوت كان ضعيفاً لنهاية الضعف بسبب الكبر فكان نداء نظراً إلى قصده وخفياً نظراً إلى الواقع الثاني أنه دعا في الصلاة لأن الله تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى فَنَادَتْهُ الْمَلَئِكَة ُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى ( آل عمران ٣٩ ) فكون الإجابة في الصلاة يدل على كون الدعاء في الصلاة فوجب أن يكون النداء فيها خفياً
قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِى َ مِن وَرَآئِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً
القراءة فيها مسائل
المسألة الأولى قرىء وَهَنَ بالحركات الثلاث
المسألة الثانية إدغام السين في الشين ( من الرأس شيباً ) عن أبي عمرو
المسألة الثالثة وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِى َ بفتح الياء وعن الزهري بإسكان الياء من الموالي وقرأ عثمان