دعاه إلى الأسهل والجواب عن سؤال الدور أن قوله فَاتَّبِعْنِى ليس أمر إيجاب بل أمر إرشاد والنوع الثالث قوله سَوِيّاً ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً أي لا تطعه لأنه عاص لله فنفره بهذه الصفة عن القبول منه لأنه أعظم الخصال المنفرة واعلم أن إبراهيم عليه السلام لإمعانه في الإخلاص لم يذكر من جنايات الشيطان إلا كونه عاصياً لله ولم يذكر معاداته لآدم عليه السلام كأن النظر في عظم ما ارتكبه من ذلك العصيان غمى فكره وأطبق على ذهنه وأيضاً فإن معصية الله تعالى لا تصدر إلا عن ضعيف الرأي ومن كان كذلك كان حقيقاً أن لا يلتفت إلى رأيه ولا يجعل لقوله وزن فإن قيل إن هذا القول يتوقف على إثبات أمور أحدها إثبات الصانع وثانيها إثبات الشيطان وثالثها إثبات أن الشيطان عاص لله ورابعها أنه لما كان عاصياً لم تجز طاعته في شيء من الأشياء وخامسها أن الاعتقاد الذي كان عليه ذلك الإنسان كان مستفاداً من طاعة الشيطان ومن شأن الدلالة التي تورد على الخصم أن تكون مركبة من مقدمات معلومات مسلمة ولعل أبا إبراهيم كان منازعاً في كل هذه المقدمات وكيف والمحكى عنه أنه ما كان يثبت إلهاً سوى نمروذ فكيف يسلم وجود الإله الرحمن وإذا لم يسلم وجوده فكيف يمكنه تسليم أن الشيطان كان عاصياً للرحمن ثم إن على تسليم ذلك فكيف يسلم الخصم بمجرد هذا الكلام أن مذهبه مقتبس من الشيطان بل لعله يقلب ذلك على خصمه قلنا الحجة المعول عليها في إبطال مذهب آزر هو الذي ذكره أولاً من قوله لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً فأما هذا الكلام فيجري مجرى التخويف والتحذير الذي يحمله على النظر في تلك الدلالة وعلى هذا التقدير يسقط السؤال النوع الرابع قوله عَصِيّاً ياأَبَتِ إِنّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً قال الفراء معنى أخاف أعلم والأكثرون على أنه محمول على ظاهره والقول الأول إنما يصح لو كان إبراهيم عليه السلام عالماً بأن أباه سيموت على ذلك الكفر وذلك لم يثبت فوجب إجراؤه على ظاهره فإنه كان يجوز أن يؤمن فيصير من أهل الثواب ويجوز أن يصر فيموت على الكفر فيكون من أهل العقاب ومن كان كذلك كان خائفاً لا قاطعاً واعلم أن من يظن وصول الضرر إلى غيره فإنه لا يسمى خائفاً إلا إذا كان بحيث يلزم من وصول ذلك الضرر إليه تألم قلبه كما يقال أنا خائف على ولدي أما قوله فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً فذكروا في الولي وجوهاً أحدها أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار والولاية سبب للمعية وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز وإن لم يجز حمله الى الولاية الحقيقية لقوله تعالى الاْخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ( الزخرف ٦٧ ) وقال ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ( العنكبوت ٢٥ ) وحكى عن الشيطان أنه يقول لهم إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ( إبراهيم ٢٢ ) واعلم أن هذا الإشكال إنما يتوجه إذا كان المراد من العذاب عذاب الآخرة أما إذا كان المراد منه عذاب الدنيا فالإشكال ساقط وثانيها أن يحمل العذاب على الخذلان أي إني أخاف أن يمسك خذلان الله فتصير موالياً للشيطان ويبرأ الله منك على ما قال تعالى وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ( النساء ١١٩ ) وثالثها ولياً أي تالياً للشيطان تليه كما يسمى المطر الذي يأتي تالياً ولياً فإن قيل قوله أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً يقتضي أن تكون ولاية الشيطان أسوأ حالاً من العذاب نفسه وأعظم فما السبب لذلك ( والجواب ) أن رضوان الله تعالى أعظم من الثواب على ما قال