يلحقهم ظلم وههنا سؤالان الأول الاستثناء دل على أنه لا بد من التوبة والإيمان والعمل الصالح وليس الأمر كذلك لأن من تاب عن كفره ولم يدخل وقت الصلاة أو كانت المرأة حائضاً فإنه لا يجب عليها الصلاة والزكاة أيضاً غير واجبة وكذا الصوم فههنا لو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر عنه عمل فلم يجز توقف الأجر على العمل الصالح و ( الجواب ) أن هذه الصورة نادرة والمراد منه الغالب السؤال الثاني قوله وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً هذا إنما يصح لو كان الثواب مستحقاً على العمل لأنه لو كان الكل بالتفضل لاستحال حصول الظلم لكن من مذهبكم أنه لا استحقاق للعبد بعمله إلا بالوعد ( الجواب ) أنه لما أشبهه أجرى على حكمه
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَة ً وَعَشِيّاً تِلْكَ الْجَنَّة ُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً
اعلم أنه تعالى لما ذكر في التائب أنه يدخل الجنة وصف الجنة بأمور أحدها قوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ والعدن الإقامة وصفها بالدوام على خلاف حال الجنان في الدنيا التي لا تدوم ولذلك فإن حالها لا يتغير في مناظرها فليست كجنان الدنيا التي حالها يختلف في خضرة الورق وظهور النور والثمر وبين تعالى أنها وعد الرحمن لعباده وأما قوله بِالْغَيْبِ ففيه وجهان أحدهما أنه تعالى وعد ( هم إيا ) ها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها والثاني أن المراد وعد الرحمن للذين يكونون عباداً بالغيب أي الذين يعبدونه في السر بخلاف المنافقين فإنهم يعبدونه في الظاهر ولا يعبدونه في السر وهو قول أبي مسلم والوجه الأول أقوى لأنه تعالى بين أن الوعد منه تعالى وإن كان بأمر غائب فهو كأنه مشاهد حاصل لذلك قال بعده إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً أما قوله مَأْتِيّاً فقيل إنه مفعول بمعنى فاعل والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها قال الزجاج كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه وما أتاك فقد أتيته والمقصود من قوله إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً بيان أن الوعد منه تعالى وإن كان بأمر غائب فهو كأنه مشاهد وحاصل والمراد تقرير ذلك في القلوب وثانيها قوله لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَاماً ( مريم ٦٢ ) واللغو من الكلام ما سبيله أن يلغي ويطرح وهو المنكر من القول ونظيره قوله لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَة ً ( الغاشية ١١ ) وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو حيث نزه الله تعالى عنه الدار التي لا تكليف فيها وما أحسن قوله وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً ( الفرقان ٧٢ ) وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ ( القصص ٥٥ ) أما قوله إِلاَّ سَلَاماً ففيه بحثان
البحث الأول أن فيه إشكالاً وهو أن السلام ليس من جنس اللغو فكيف استثنى السلام من اللغو والجواب عنه من وجوه أحدها أن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة وأهل الجنة لا حاجة بهم إلى هذا الدعاء فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام وثانيها أن يحمل ذلك على الاستثناء المنقطع وثالثها أن يكون هذا من جنس قول الشاعر


الصفحة التالية
Icon