وهي أن من وجد الدنيا كان حبيباً لله تعالى أو على فساد المقدمة الثانية وهي أن حبيب الله لا يوصل الله إليه غماً وعلى كلا التقديرين فيفسد ما ذكرتموه من الشبهة بقي البحث عن تفسير الألفاظ فنقول أهل كل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم وهم أحسن في محل النصب صفة لكم ألا ترى أنك لو تركت هم لم يكن لك بد من نصب أحسن على الوصفية والأثاث متاع البيت أما رئياً فقرىء على خمسة أوجه لأنها إما أن تقرأ بالراء التي ليس فوقها نقطة أو بالزاي التي فوقها نقطة فأما الأول فإما أن يجمع بين الهمزة والياء أو يكتفي بالياء أما إذا جمع بين الهمزة والياء ففيه وجهان أحدهما بهمزة ساكنة بعدها ياء وهو المنظر والهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت رئياً والثاني ريئاً على القلب كقولهم راء في رأى أما إن اكتفينا بالياء فتارة بالياء المشددة على قلب الهمزة ياء والإدغام أو من الري الذي هو النعمة والترفه من قولهم ريان من النعيم والثاني بالياء على حذف الهمزة رأساً ووجهه أن يخفف المقلوب وهو ريئاً بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الياء الساكنة قبلها وأما بالزاي المنقطة من فوق زياً فاشتقاقه من الزي وهو الجمع لأن الزي محاسن مجموعة والمعنى أحسن من هؤلاء والله أعلم
قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَالَة ِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَة َ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى وَالْبَِّقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً
اعلم أن هذا الجواب الثاني عن تلك الشبهة وتقريره لنفرض أن هذا الضال المتنعم في الدنيا قد مد الله في أجله وأمهله مدة مديدة حتى ينضم إلى النعمة العظيمة المدة الطويلة فلا بد وأن ينتهي إلى عذاب في الدنيا أو عذاب في الآخرة بعد ذلك سيعلمون أن نعم الدنيا ما تنقذهم من ذلك العذاب فقوله فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً مذكور في مقابلة قولهم خَيْرٌ مَّقَاماً ( مريم ٧٣ ) وَأَضْعَفُ جُنداً في مقابلة قولهم أَحْسَنُ نَدِيّاً ( مريم ٧٣ ) فبين تعالى أنهم وإن ظنوا في الحال أن منزلتهم أفضل من حيث فضلهم الله تعالى بالمقام والندى فسيعلمون من بعد أن الأمر بالضد من ذلك وأنهم شر مكاناً فإنه لا مكان شر من النار والمناقشة في الحساب وَأَضْعَفُ جُنداً فقد كانوا يظنون وهم في الدنيا أن اجتماعهم ينفع فإذا رأوا أن لا ناصر لهم في الآخرة عرفوا عند ذلك أنهم كانوا في الدنيا مبطلين فيما ادعوه بقي البحث عن الألفاظ وهو من وجوه أحدها مد له الرحمن أي أمهله وأملى له في العمر فأخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور الممتثل ليقطع معاذير الضال ويقال له يوم القيامة أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ( فاطر ٣٧ ) وكقولهم إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً