والأرض من الملائكة والناس إلا وهو يأتي الرحمن أي يأوي إليه ويلتجىء إلى ربوبيته عبداً منقاداً مطيعاً خاشعاً راجياً كما يفعل العبيد ومنهم من حمله على يوم القيامة خاصة والأول أولى لأنه لا تخصيص فيه وقوله لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً أي كلهم تحت أمره وتدبيره وقهره وقدرته فهو سبحانه ميحط بهم ويعلم مجمل أمورهم وتفاصيلها لا يفوته شيء من أحوالهم وكل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفرداً ليس معه من هؤلاء المشركين أحد وهم براء منهم
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً
اعلم أنه تعالى لما رد على أصناف الكفرة وبالغ في شرح أحوالهم في الدنيا والآخرة ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين فقال إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً وللمفسرين في قوله وُدّاً قولان الأول وهو قول الجمهور أنه تعالى سيحدث لهم في القلوب مودة ويزرعها لهم فيها من غير تودد منهم ولا تعرض للأسباب التي يكتسب الناس بها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف أو غير ذلك وإنما هو اختراع منه تعالى وابتداء تخصيصاً لأوليائه بهذه الكرامة كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالاً لمكانهم والسين في سيجعل إما لأن السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله تعالى ذلك إذا جاء الإسلام وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم وينشر من ديوان أعمالهم عن النبي ( ﷺ ) في هذه الآية ( إذا أحب الله عبداً نادى جبريل قد أحببت فلاناً فأحبوه فينادي جبريل عليه السلام بذلك في السماء والأرض وإذا أبغض عبداً فمثل ذلك ) وعن كعب قال مكتوب في التوراة والإنجيل لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله تعالى ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً القول الثاني وهو اختيار أبي مسلم معنى سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً أي يهب لهم ما يحبون والود والمحبة سواء يقال آتيت فلاناً محبته وجعل لهم ما يحبون وجعلت له وده ومن كلامهم يود لو كان كذا ووددت أن لو كان كذا أي أحببت ومعناه سيعطيهم الرحمن ودهم أي محبوبهم في الجنة والقول الأول أولى لأن حمل المحبة على المحبوب مجاز ولأنا ذكرنا أن الرسول ( ﷺ ) قرأ هذه الآية وفسرها بذلك فكان ذلك أولى وقال أبو مسلم بل القول الثاني أولى لوجوه