المسألة الرابعة قال الزجاج أيهم رفع بالإبتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام والمعنى لنختبر ونمتحن هذا أحسن عملاً أم ذاك ثم قال تعالى وَأَنْ لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً والمعنى أنه تعالى بين أنه إنما زين الأرض لأجل الإمتحان والإبتلاء لا لأجل أن يبقى الإنسان فيها متنعماً أبداً لأنه يزهد فيها بقوله وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا الآية ونظيره قوله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ( الرحمن ٢٦ ) وقوله فَيَذَرُهَا قَاعاً ( طه ١٠٦ ) الآية وقوله وَإِذَا الاْرْضُ مُدَّتْ ( الإنشقاق ١٣ ) الآية والمعنى أنه لا بد من المجازاة بعد فناء ما على الأرض وتخصيص الإبطال والإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض إلا أن سائر الآيات دلت على أن الأرض أيضاً لا تبقى وهو قوله يَوْمَ تُبَدَّلُ الاْرْضُ غَيْرَ الاْرْضِ ( إبراهيم ٤٨ ) قال أبو عبيدة الصعيد المستوي من الأرض وقال الزجاج هو الطريق الذي لا نبات فيه وقد ذكرنا تفسير الصعيد في آية التيمم وأما الجرز فقال الفراء الجرز الأرض التي لا نبات عليها يقال جرزت الأرض فهي مجروزة وجرزها الجراد والشاء والإبل إذا أكلت ما عليها وامرأة جروز إذا كانت أكولاً وسيف جراز إذا كان مستأصلاً ونظيره قوله تعالى نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الاْرْضِ الْجُرُزِ ( السجدة ٢٧ )
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَة ُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَة ً وَهَيِّى ءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان فقال تعالى أم حسبت أنهم كانوا عجباً من آياتنا فقط فلا تحسبن ذلك فإن آياتنا كلها عجب فإن من كان قادراً على تخليق السموات والأرض ثم يزين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ثم يجعلها بعد ذلك صعيداً جرزاً خالية عن الكل كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم هذا هو الوجه في تقرير النظم والله أعلم
المسألة الثانية قد ذكرنا سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى ( الإسراء ٨٥ ) وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحاً فقال كان النضر بن الحارث من شياطين قريش وكان يؤذي رسول الله ( ﷺ ) وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث رستم واسفنديار وكان رسول الله ( ﷺ ) إذا جلس مجلساً ذكر فيه الله وحدث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم وكان النضر يخلفه في مجلسه إذا قام فقال أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه فهلموا فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ثم إن قريشاً بعثوه وبعثوا معه عتبة بن


الصفحة التالية
Icon