والولي لا يجوز له دعوى الولاية فظهر الفرق أما الذين قالوا يجوز للولي دعوى الولاية فقد ذكروا الفرق بين المعجزة والكرامة من وجوه الأول أن ظهور الفعل الخارق للعادة يدل على كون ذلك الإنسان مبرءاً عن المعصية ثم إن اقترن هذا الفعل بادعاء النبوة دل على كونه صادقاً في دعوى النبوة وإن اقترن بادعاء الولاية دل على كونه صادقاً في دعوى الولاية وبهذا الطريق لا يكون ظهور الكرامة على الأولياء طعناً في معجزات الأنبياء عليهم السلام الثاني أن النبي ( ﷺ ) يدعي المعجزة ويقطع بها والولي إذا ادعى الكرامة لا يقطع بها لأن المعجزة يجب ظهورها أما الكرامة ( ف ) لا يجب ظهورها الثالث أنه يجب نفي المعارضة عن المعجزة ولا يجب نفيها عن الكرامة الرابع أنا لا نجوز ظهور الكرامة على الولي عند ادعاء الولاية إلا إذا أقر عند تلك الدعوى بكونه على دين ذلك النبي ومتى كان الأمر كذلك صارت تلك الكرامة معجزة لذلك النبي ومؤكدة لرسالته وبهذا التقدير لا يكون ظهور الكرامة طاعناً في نبوة النبي بل يصير مقوياً لها ( والجواب ) عن الشبهة الثانية أن التقرب بالفرائض وحدها أكمل من التقرب بالنوافل أما الولي فإنما يكون ولياً إذا كان آتياً بالفرائض والنوافل ولا شك أنه يكون حاله أتم من حال من اقتصر على الفرائض فظهر الفرق ( والجواب ) على الشبهة الثالثة أن قوله تعالى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقّ الانفُسِ محمول على المعهود المتعارف وكرامات الأولياء أحوال نادرة فتصير كالمستثناة عن ذلك العموم وهذا هو ( الجواب ) عن الشبهة الرابعة وهي التمسك بقوله عليه السلام البينة على المدعي ( والجواب ) عن الشبهة الخامسة أن المطيعين فيهم قلة كما قال تعالى وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِى َ الشَّكُورُ ( سبأ ١٣ ) وكما قال إبليس وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ( الأعراف ١٧ ) وإذا حصلت القلة فيهم لم يكن ما يظهر عليهم من الكرامات في الأوقات النادرة قادحاً في كونها على خلاف العادة
المسألة السابعة في الفرق بين الكرامات والاستدراج اعلم أن من أراد شيئاً فأعطاه الله مراده لم يدل ذلك على كون ذلك العبد وجيهاً عند الله تعالى سواء كانت العطية على وفق العادة أو لم تكن على وفق العادة بل قد يكون ذلك إكراماً للعبد وقد يكون استدراجاً له ولهذا الاستدراج أسماء كثيرة من القرآن أحدها الاستدراج قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ( الأعراف ١٨٢ ) ومعنى الاستدراج أن يعطيه الله كل ما يريده في الدنيا ليزداد غيه وضلاله وجهله وعناده فيزداد كل يوم بعداً من الله وتحقيقه أنه ثبت في العلوم العقلية أن تكرر الأفعال سبب لحصول الملكة الراسخة فإذا مال قلب العبد إلى الدنيا ثم أعطاه الله مراده فحينئذ يصل الطالب إلى المطلوب وذلك يوجب حصول اللذة وحصول اللذة يزيد في الميل وحصول الميل يوجب مزيد السعي ولا يزال يتأدى كل واحد منهما إلى الآخر وتتقوى كل واحدة من هاتين الحالتين درجة فدرجة ومعلوم أن الاشتغال بهذه اللذات العاجلة مانع عن مقامات المكاشفات ودرجات المعارف فلا جرم يزداد بعده عن الله درجة فدرجة إلى أن يتكامل فهذا هو الاستدراج وثانيها المكر قال تعالى فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ( الأعراف ٩٩ ) وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ( آل عمران ٥٤ ) وقال وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( النمل ٥٠ ) وثالثها الكيد قال تعالى يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ( النساء ١٤٢ ) وقال يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ ( البقرة ٩ ) ورابعها الإملاء قال تعالى وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرًا لاِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً ( آل


الصفحة التالية
Icon