تعالى وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبّى لاِقْرَبَ مِنْ هَاذَا رَشَدًا وفيه وجوه الأول أن ترك قوله أَن يَشَاء اللَّهُ ليس بحسن وذكره أحسن من تركه وقوله لاِقْرَبَ مِنْ هَاذَا رَشَدًا المراد منه ذكر هذه الجملة الثاني إذا وعدهم بشيء وقال معه إن شاء الله فيقول عسى أن يهديني ربي لشيء أحسن وأكمل مما وعدتكم به والثالث أن قوله لاِقْرَبَ مِنْ هَاذَا رَشَدًا إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والدلائل على صحة أني نبي من عند الله صادق القول في ادعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشداً من نبأ أصحاب الكهف وقد فعل الله ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك وأما قوله تعالى وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ مِئَة ٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعًا قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مّن دُونِهِ مِن وَلِى ّ وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا فاعلم أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف وفي قوله وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ قولان الأول أن هذا حكاية كلام القوم والدليل عليه أنه تعالى قال سَيَقُولُونَ ثَلَاثَة ٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وكذا إلى أن قال وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ويؤكده أنه تعالى قال بعده قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضاً ما روي في مصحف عبد الله وقالوا ولبثوا في كهفهم والقول الثاني أن قوله وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ هو كلام الله تعالى فإنه أخبر عن كمية تلك المدة وأما قوله سَيَقُولُونَ ثَلَاثَة ٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ فهو كلام قد تقدم وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر وهو قوله فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظَاهِرًا وقوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ لا يوجب أن ما قبله حكاية وذلك لأنه تعالى أراد قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب
المسألة الثانية قرأ حمزة والكسائي ثلثمائة سنين بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك لأن قوله سِنِينَ عطف بيان لقوله ثلثمائة لأنه لما قال وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون فلما قال سنين صار هذا بياناً لقوله ثلثمائة فكان هذا عطف بيان له وقيل هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة وأما وجه قراءة حمزة فهو أن الواجب في الإضافة ثلثمائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله نُنَبّئُكُم بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَالاً ( الكهف ١٠٣ )
المسألة الثالثة قوله وَازْدَادُواْ تِسْعًا المعنى وازدادوا تسع سنين فإن قالوا لم لم يقل ثلثمائة وتسع سنين وما الفائدة في قوله وَازْدَادُواْ تِسْعًا قلنا قال بعضهم كانت المدة ثلثمائة سنة من السنين الشمسية وثلثمائة وتسع سنين من القمرية وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول ويمكن أن يقال لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قرب أمرهم من الأنبياء ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين ثم قال قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ معناه أنه تعالى أعلم بمقدار هذه المدة من الناس الذين اختلفوا فيها وإنما كان أولى بأن يكون عالماً به لأنه موجد للسموات والأرض ومدبر للعالم وإذا كان كذلك كان عالماً بغيب


الصفحة التالية
Icon