المسألة الأولى احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى هو الذي يخلق الجهل والغفلة في قلوب الجهال لأن قوله أَغْفَلْنَا يدل على هذا المعنى قالت المعتزلة المراد بقوله تعالى أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا أنا وجدنا قلبه غافلاً وليس المراد خلق الغفلة فيه والدليل عليه ما روي عن عمرو بن معديكرب الزبيدي أنه قال لبني سليم قاتلناكم فما أجبناكم وسألناكم فما ابخلناكم وهجوناكم فما أفحمناكم أي ما وجدناكم جبناء ولا بخلاء ولا مفحمين ثم نقول حمل اللفظ على هذا المعنى أولى ويدل عليه وجوه الأول أنه لو كان كذلك لما استحقوا الذم الثاني أنه تعالى قال بعد هذه الآية فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ولو كان تعالى خلق الغفلة في قلبه لما صح ذلك الثالث لو كان المراد هو أنه تعالى جعل قلبه غافلاً لوجب أن يقال ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه لأن على هذا التقدير يكون ذلك من أفعال المطاوعة وهي إنما تعطف بالفاء لا بالواو ويقال كسرته فانكسر ودفعته فاندفع ولا يقال وانكسر واندفع الرابع قوله تعالى وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ولو كان تعالى أغفل في الحقيقة قلبه لم يجز أن يضاف ذلك إلى اتباعه هواه والجواب قوله المراد من قوله أَغْفَلْنَا أي وجدناه غافلاً وليس المارد تحصيل الغفلة فيه قلنا الجواب عنه من وجهين الأول أن الاشتراك خلاف الأصل فوجب أن يعتقد أن وزن الأفعال حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وجعله حقيقة في التكوين مجازاً في الوجدان أولى من العكس وبيانه من وجوه أحدها أن مجيء بناء الأفعال بمعنى التكوين أكثر من مجيئه بمعنى الوجدان والكثرة دليل الرجحان وثانيها أن مبادرة الفهم من هذا البناء إلى التكوين أكثر من مبادرته إلى الوجدان ومبادرة الفهم دليل الرجحان وثالثها أنا إن جعلناه حقيقة في التكوين أمكن جعله مجازاً في الوجدان لأن العلم بالشيء تابع لحصول المعلوم فجعل اللفظ حقيقة في المتبوع ومجازاً في التبع موافق للمعقول أما لو جعلناه حقيقة في الوجدان مجازاً في الإيجاد لزم جعله حقيقة في التبع مجازاً في الأصل وأنه عكس المعقول فثبت أن الأصل جعل هذا البناء حقيقة في الإيجاد لا في الوجدان الوجه الثاني في الجواب عن السؤال أنا نسلم كون اللفظ مشتركاً بالنسبة إلى الإيجاد وإلى الوجدان إلا أنا نقول يجب حمل قوله أَغْفَلْنَا على إيجاد الغفلة وذلك لأن الدليل العقلي دل على أنه يمتنع كون العبد موجداً للغفلة في نفسه والدليل عليه أنه إذا حاول إيجاد الغفلة فأما أن يحاول إيجاد مطلق الغفلة أو يحاول إيجاد الغفلة عن شيء معين والأول باطل وإلا لم يكن بأن تحصل له الغفلة عن هذا الشيء أولى بأن تحصل له الغفلة عن شيء آخر لأن الطبيعة المشترك فيها بين الأنواع الكثيرة تكون نسبتها إلى كل تلك الأنواع على السوية أما الثاني فهو أيضاً باطل لأن الغفلة عن كذا عبارة عن غفلة لا تمتاز عن سائر أقسام الغفلات إلا بكونها منتسبة إلى ذلك الشيء المعين بعينه فعلى هذا لا يمكنه أن يقصد إلى إيجاد الغفلة عن كذا إلا إذا تصور أن تلك الغفلة غفلة عن كذا ولا يمكنه أن يتصور كون تلك الغفلة غفلة عن كذا إلا إذا تصور كذا لأن العلم بنسبة أمر إلى أمر آخر مشروط بتصور كل واحد من المنتسبين فثبت أنه لا يمكنه القصد إلى إيجاد الغفلة عن كذا إلا مع الشعور بكذا لكن الغفلة عن كذا ضد الشعور بكذا فثبت أن العبد لا يمكنه إيجاد هذه اغفلة إلا عند اجتماع الضدين وذلك محال والموقوف على المحال محال فثبت أن العبد غير قادر على إيجاد الغفلة فوجب أن يكون خالق الغفلات وموجدها في العباد هو الله وهذه نكتة قاطعة في


الصفحة التالية
Icon